مدونة مكتبة العرب الاسلامية للكتب و المقالات العلمية المتنوعة اسلامية اليكترونية تعليم دروس مقالات دعوة اعلام
الأحد، 16 ديسمبر 2012
السبت، 15 ديسمبر 2012
اغتيال مرسى
أحمد إبراهيم
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
لا أستبعد أن تخطط جهة ما لاغتيال الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسى، بعد أن زج بنفسه فى عش الدبابير، ودخل معركة تكسير العظام مع مراكز القوى فى الدولة العميقة التى تتحكم فى العديد من مفاصل البلاد.
مرسى الذى أطاح بالمشير حسين طنطاوى فى انقلاب أبيض ضد حكم العسكر دون إراقة قطرة دم واحدة، يخوض المعركة الثانية وربما تكون الأخيرة، خاصة بعد أن أصدر أخطر قرار ثورى بإعادة المحاكمات فى قضايا قتل المتظاهرين، ما يعنى إعادة فتح ملفات ستة من مساعدى وزير الداخلية المحبوس حبيب العادلى والذين حصلوا على البراءة، والمئات من ضباط أمن الدولة والداخلية الذين قتلوا مئات المتظاهرين فى جمعة الغضب 28 يناير، وكذلك متهمى موقعة الجمل، والذين كان لهم النصيب الأكبر من مهرجان البراءة للجميع.
مرسى دخل عش الدبابير بهذا القرار، فضلًا عن سعيه الدءوب لإجراء الاستفتاء على الدستور الذى يتضمن مادة العزل السياسى التى تحرم أقطاب ورموز الحزب الوطنى المنحل من الترشح لمدة 10 سنوات، وهو أمر كفيل بفتح أبواب جهنم على الرئيس.
فى إطار هذا السياق يمكن تفسير احتشاد الفلول إلى جانب البرادعى وصباحى وموسى، وحدوث توافق كامل بينهم حول إسقاط الرئيس الشرعى للبلاد الذى فاز فى انتخابات حرة نزيهة هى الأولى فى تاريخ مصر عبر 7 آلاف سنة، مع أهمية الالتفات إلى وجود مركز عمليات قوى يدار من الداخل والخارج برعاية المرشح الرئاسى الهارب أحمد شفيق، لتقديم خدمات لوجستية وتمويل مادى لأى تحرك يحقق هذا الهدف، حتى لو كان اقتحام القصر الرئاسى، وحرق منزل الرئيس بالشرقية، وحرق مقار الحرية والعدالة، مع غطاء إعلامى مكثف من إعلاميى المارينز.
عملية اغتيال مرسى تتم بالفعل وفق عدة مراحل، بدأت باغتياله أدبيًا ومعنويًا، بتوجيه البذاءات إليه، وتشويه سمعته وسمعة أسرته، والتطاول عليه بشكل متعمد، وإسقاط صورة مبارك عليه بما فى ذلك من دلالات حتى يتم حرقه شعبيًا، ووضعه ضمن معادلة تقول إنه "محمد مرسى مبارك"، على أن يتبعها خطة ممنهجة لنزع الشرعية عنه إعلاميًا، وترديد النغمة بشكل مكثف تدفع المصريين إلى الرضا بمنطق "ارحل .. ارحل"، فى محاولة لإعادة استنساخ الـ 18 يومًا الأخيرة فى عمر مبارك.
الخطير فى الأمر أن الإخوان قدموا فرصة ذهبية لمعارضى مرسى لاحتلال التحرير والاتحادية، ومن أكبر الأخطاء الاستراتيجية التى وقعوا فيها أنهم تركوا محيط قصر الاتحادية مرتين، الأولى بعد مليونية الجمعة بجوار القصر وانصرفوا عائدين إلى بيوتهم دون أن يدركوا قيمة هذا المكان الذى سيكون محط أنظار الجميع خلال أيام، والثانى بعدما استشهد منهم 8 وأصيب ألف، لكنهم كرروا الخطأ وعادوا لبيوتهم.
من الخطأ أن تترك للمعارضين التحرير والاتحادية.. هذه مواقع استراتيجية تجتذب أضواء الإعلام والمجتمع الدولى، وليس الذهاب أمام جامعة القاهرة، واللعبة الآن لعبة ميادين واستقواء بالشارع والإعلام، بحسب الشرط الأمريكى الذى وضعته السفيرة الأمريكية آن باترسون لصباحى والبرادعى وموسى "احشدوا أكثر ونحن سنتدخل".
أذكى سياسى حتى الآن من وجهة نظرى، ويجيد اللعب مع خصومه بنفس الأوراق، هو الشيخ حازم أبو إسماعيل، الذى اتخذ قرارًا استراتيجيًا سريعًا ولافتًا بحصار مدينة الإنتاج الاعلامى، قد يتطور فى حال الاحتياج إلى ذلك، إلى قطع البث ومنع قنوات الفلول من بث أخبار مضللة وتغطيات موجهة، مما يفقدهم مدفعية التوك شو التى تؤمن تحركاتهم، ويحجب أخبارهم عن الشارع، ما يحول على الأقل دون اغتيال مرسى إعلاميًا، من كتيبة الإبراشى والميرازى وفودة وبكرى والجلاد وأديب وسعد وريم وخيرى وتامر وسيد والدمرداش ولميس وجيهان، وغيرهم من مرتزقة المارينز الذين ينفذون عملية الانقلاب والاغتيال "إعلاميًا" ضد الرئيس.
رجل من أهل الجنة
أحمد خالد العتيبي
بسم الله الرحمن الرحيم
حدثني أحد الإخوة وفقه الله يقول: بفضل الله عز وجل منذ أن عرفت نفسي ولله الحمد لا يمكن أن أنام وفي قلبي حقد أو غل أو حسد على أحد من المسلمين! والعلاج سهل بإذن الله يقول: كلما حصل موقف وأحسست أنه يؤثر على قلبي توضأت وصليت ركعتين ودعوت له في سجودي لمن أخطأ في حقي أو أخطأت في حقه مثل ما أدعو لنفسي بخيري الدنيا والآخرة .
تذكرت حديث الرجل الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة :
جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة الرجل الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ثلاث مرات في ثلاثة أيام, فتابعه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ ليقتدي به، فبقي معه ثلاثة أيام فلم يرَ عملاً زائداً على عمله، ولم يقم من الليل شيئاً, إلا أنه إذا استيقظ من الليل وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبره حتى يقوم لصلاة الفجر، ولم يسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث ليال كاد أن يحتقر عبد الله عمل الرجل، فسأله وقال: ما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقال: ما هو إلا ما رأيتَ غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غِشًّا، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله بن عمرو: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق. أخرجه النسائي .
أخي الغالي: أسعدك الله في الدنيا والآخرة تأمل هذا الحديث .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار ) صححه الألباني في صحيح أبي داود .
أخي الحبيب: هل تعلم أن الأعمال تعرض في كل يوم خميس واثنين فيغفر الله تعالى في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً, إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل مسلم لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا. رواه مسلم.
ولعل من أسباب سلامة الصدر :
1- كثرة الدعاء بسلامة القلب.
2- دوام ذكر الله على كل حال.
3- الابتعاد عن الوقوع في الذنوب والمعاصي.
4- كثرة الأعمال الصالحة.
5- دفع السيئة بالحسنة.
6- إفشاء السلام.
7- الهدية تجلب المحبة.
8- الرغبة في الأجر والثواب.
9- العفو والتسامح وترك العتاب.
10-الصدقة والإحسان.
اللهم إنا نسألك صدوراً سليمة، وقلوباً طاهرة نقية، اللهم طهر قلوبنا من الرياء والسمعة، واجعلنا من أهل الفردوس الأعلى يا رب العالمين .
رقصة الموت في مصر
رقصة الموت في مصر
إبراهيم بن محمد الحقيل
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما غزا الصليبيون العالم الإسلامي واحتلوا بلاد الشام وأسسوا إماراتهم فيها صمدت مصر أمام المد الصليبي، وفشلت فيها أهم الحملات الصليبية وهي الحملة السابعة التي قادها الملك الفرنسي لويس التاسع، وأثخن المصريون والشاميون في الصليبيين، وأسر لويس التاسع قائد الصليبيين، وسجن في المنصورة، وبعد هذه المعركة تقهقر أمر الصليبيين، وتوالت هزائمهم حتى دحروا.
وعندما اجتاح التتر بلاد المسلمين من خوارزم إلى بغداد، وأسقطوا الخلافة العباسية، ولم يقف في وجوههم شيء دُحروا على يد المصريين في عين جالوت، وأدبر أمرهم بعد ذلك.
وعندما سير نابليون حملته الاستعمارية على مصر في أواخر القرن الثامن عشر تصدى المصريون لهذه الحملة حتى أخرجوا الفرنسيين، وخلفهم الانجليز في القرن التاسع عشر وقاومهم المصريون حتى أخرجوهم. فاقتنع الصليبيون أن المسلمين لا يتم غزوهم من الخارج؛ لأن جذوة الجهاد تشتعل فيهم حتى تحرق المحتل الغازي، واقتنعوا أن مصر هي بوابة العالم العربي، وأن إفساد مصر كفيل بنشر الفساد في العالم العربي كله، وهذا ما كان في مصر عقب الاحتلالين الفرنسي ثم الإنجليزي؛ حيث الغزو بالقوة الناعمة بإعادة قراءة الإسلام من جديد، وإزالة الحواجز العقدية والفكرية والأخلاقية بين المؤمن والكافر، وحركة تحرير المرأة المسلمة من القيود الشرعية وجعلها كالغربية، وتبديل القضاء بإحلال القانون الوضعي محل الحكم الشرعي؛ وحيث بداية التصوير والتمثيل والسينما والغناء، وإغراق الناس بالشهوات، ومن مصر صُدِّر الإنحراف إلى العالم العربي كله؛ فصلاح مصر صلاح العالم العربي، وفسادها فساده، وقوتها قوته، وضعفها ضعفه. ولم يُحرر بيت المقدس من الاحتلال الصليبي إلا لما حررت مصر من حكم العبيديين الباطنيين، ولما احتله اليهود في القرن الماضي ما خافوا إلا من مصر، وركزوا جهودهم عليها حتى ظفروا باتفاقية كامب ديفد؛ ليحيدوا مصر عن الصراع، وبها تنفس اليهود الصعداء.
إن مصر لما كانت صالحة صدرت للعالم العربي والإسلامي العلماء والدعاة والمصلحين والمدرسين حتى غصت بهم المدارس والجامعات، وصدرت الكتب النافعة في شتى العلوم والمعارف حتى قيل: مصر تؤلف، ولبنان تطبع، والعراق يقرأ. ثم لما أفسدها العلمانيون بمعونة اليهود والنصارى صدّرت الفساد والانحلال في الأفلام والمسلسلات والكتب والمجلات. وظل الفساد مهيمنا على مصر طيلة القرن الماضي حتى جاءت الثورة المباركة فاقتلعت رأس الفساد وربانه لكن بقيت جذوره منتشرة في أجهزة الدولة تبث سمومها وأوبئتها، وتنشر أوساخها وقذارتها، والشعب المصري والعالم العربي من ورائه لن يجنيان شيئا من الثورة إذا كان الرأس صالحا في جسد مريض بات عشرات السنين يُحقن بالأوبئة. إن عملية تنظيف قذارات العلمانيين في مصر من قوميين ويساريين وناصريين وليبراليين ومتصهينين ومتأمركين تحتاج إلى وقت طويل وتضحيات جسيمة، وغالبا ما يكون قتلى ما بعد الثورة أكثر من قتلى الثورة. وقاذورات الأنظمة السابقة متجذرة ومتمكنة، واقتلاعها يجلب الألم لكن لا بد منه. وهذه القاذورات المتجذرة في الجسد المصري حقودة على الشعب المصري ولو ابتسمت له في الكاميرات؛ لأنه رفضها واختار عدوها، فتود الانتقام منه، وعندها استعداد أن تفني الشعب المصري لو قدرت على ذلك، فلا يُستغرب منها محاولة نشر الفوضى وإفشال جهود الحكومة الجديدة للنهوض بمصر.
ويمكن تقسيم التحالف القذر للالتفاف على الثورة المصرية وخلق الفوضى في مصر إلى أقسام خمسة:
الأول: فلول النظام السابق في أجهزة الدولة وخاصة القضاء, ودافعهم لذلك أمران: الإبقاء على نفوذهم وامتيازاتهم ونهبهم للشعب واستعباده، والخوف من فتح ملفات الفساد والنهب الذي كان سبب ثرائهم، ومن ثم محاكمتهم عليها.
الثاني: العلمانيون المضطهدون في النظام السابق؛ كالناصريين والشيوعيين؛ فإن مصر لما تحولت إلى الليبرالية في عهد السادات، وأخفق المشروع الناصري الاشتراكي نال من بقي منهم على المذهب السابق شيء من الأذى، وهؤلاء يريدون إعادة أمجاد عبد الناصر، ولا زالوا يحلمون بالفردوس الاشتراكي رغم انتهائه في دولته الأم.
الثالث: الأقباط؛ وذلك أن البابا الهالك شنودة الثالث أدخل الكنيسة المصرية في السياسة، وصارت طرفا لاعبا فيها للضغط على الحكومة لنيل امتيازات للأقباط، وعزز موقفه بعد رفضه مرافقة السادات لإسرائيل في زيارته لها بعد توقيع اتفاقية السلام معها.
وزاد قوته أقباط المهجر الذين يحرضون الدول الغربية والمنظمات الدولية على الحكومة المصرية، ويزعمون أنها تضطهد الأقباط، وهم في الواقع قد حظوا بما لم يحظ به المسلمون في مصر، غير أن لهم تطلعات لحكم مصر رغم أنهم أقلية في أكثرية مسلمة، وزاد من أحلامهم هذه فصل جنوب السودان؛ ولذا فهم يلوحون بالتقسيم.
الرابع: بعض الدول، خاصة ماخور الخليج فقد احتضنت بعض لصوص نظام مبارك وفلوله، ودافع هذه الدول الخوف من تمكن الإسلام الحركي أو السياسي؛ لأنه إن نجح في مصر واستقر له الأمر سيكتسح الدول كلها، ويكنس أقذارها، ويعيد للإسلام هيبته ومجده. وتسهم في ذلك أيضا مخابرات إسرائيل وأمريكا لأن حرب غزة الأخيرة أثبتت لليهود أن حماس ما بعد الثورة المصرية ليست كحماس ما قبلها، ولم يكن أداء مرسي رغم عدم تمكنه الكامل من السلطة كأداء نعل اليهود حسني مبارك؛ ولذا أوقف اليهود الحرب بعد أيام قليلة من إشعالها.
الخامس: أدعياء السلفية داخل مصر وخارجها، وبغض هؤلاء لما يسمى الإسلام الحركي أو السياسي -وخاصة الإخوان المسلمين- يجعلهم يتحالفون مع الشيطان، ويسبغون الشرعية على فرعون ولو ادعى الربوبية ما دام أن فيه مضرة على الإخوان والإسلام الحركي؛ ولذلك تحالفوا مع بشار النصيري، والقذافي العبيدي، ومع الليبراليين والعلمانيين، ووقت الانتخابات المصرية أجاز أحدهم باسم السلفية تولية القبطي على المسلمين، كرم الله تعالى منهج السلف الصالح عن رجس هؤلاء الخلوف.
ووقت الثورة كانت هذه المجموعات الخمس متباينة الموقف من الثورة بحسب مصالحها، فمنها المؤيد ومنها المعارض، لكن بعد بروز قوة المد الإسلامي الحركي ممثلا في الإخوان (خيرت الشاطر) والسلفيين (حازم أبو إسماعيل) وانقسام الشارع المصري بينهما دبر بقايا النظام السابق حيل إبعادهما، وأضفت لجنة الانتخابات شرعيةً على هذا الإبعاد بإبعاد عمر سليمان نائب مبارك الذي لن يفوز بأصوات شعب أسقط رئيسا هو نائبه ورجل مخابراته.
ثم لما حل محمد مرسي محل الشاطر وحازم، وبدت بوادر تقدمه في الاستفتاءات، احتشدت المجموعات الخمس آنفة الذكر خلف العلماني أحمد شفيق رئيس الوزراء في عهد مبارك، وهو متهم بقضايا فساد، ولكنه سقط وفاز مرسي رغم الدعم الكبير له من دول شتى، وهرب للإمارات ليعين مستشارا سياسيا لحاكمها، وهو ينفذ أجندته في الإمارات، ولن يكون إلا وبالا على أهلها، وسيفسدها كما أفسد في مصر، والتوتر الذي يعيشه الساسة في الإمارات مع الإخوان لم يأت إلا من مشورته على الأرجح، وبئس المشورة.
لقد كانت النية مبيتة للإجهاز على أي بادرة توصل الإسلام السياسي لكراسي الحكم في داخل مصر وخارجها؛ ولذا ضخت بعض دول الخليج أموالا ضخمة على أناس لا تساوي الأحذية التي تلبسها، لكنهم لم يفوزوا بشيء، ولم يثنوا الشعب المصري عن اختيار من يظنون أنه سيحكم بالإسلام، ويقيم العدل، ويقضي على الفساد، فقام الجيش المصري والمحكمة الدستورية بضربة استباقية قبيل الانتخابات حين حل مجلس الشعب المنتخب الذي هيمن على مقاعده الإسلاميون، وكان حله بقانون دستوري صنعته المحكمة للجيش لإعادة السلطة التشريعية للعسكر بحيث لا تجتمع للإسلام الحركي السلطتان التشريعية والتنفيذية فيما لو فاز مرسي بالانتخابات.
وأراد فلول النظام السابق أن يتسلم المرشح الإسلامي مرسي لو فاز بالسلطة حكما بلا حكومة، ورئاسة بلا صلاحيات؛ إذ سحب الجيش الصلاحيات من الرئيس؛ لإظهار الإسلام السياسي أمام الرأي العام المصري والعربي بالعاجز عن إدارة الحكومة، وتسربت معلومات للرئيس أن انقلابا عليه يدبره طنطاوي وعنان لكن وفق الله تعالى مرسي فعزل رأسي الفساد في الجيش في وقت ذهبي عجزا معه عن فعل شيء.
وبقي القضاء ورأسه النائب العام أقوى ما تبقى من فلول حسني مبارك، وتسربت معلومات أن انقلابا على شرعية الرئيس يدبره النائب العام عبد المجيد محمود، وأنه سيعيد طنطاوي وعنان، ويبطل قرار مرسي، فعزله الرئيس، وبعزله أطيح بنفوذ نصف فلول النظام السابق، فهي عملية تطهيرية فائقة للفساد المترسب في القضاء وما يحميه القضاء خارجه.
وكان الإعلان الدستوري الأخير ضربة موجعة للفلول لا تقلم أظفارهم وتحجم نفوذهم فحسب، بل تجعل كثيرا منهم محل الإدانة والمحاسبة؛ إذ كان من أهم بنوده مما يمس فلول النظام السابق إعادة محاكمة الضالعين في قمع الثوار وقتلهم سواء بالمباشرة أو بالأمر، وهذا من شأنه سيفضح عددا من المتربعين على كراسيهم ببدلاتهم الأنيقة، فيساقون من جاههم في دوائرهم الحكومية إلى المحاكمات والسجن. وفي ظني أن هذه هي القاصمة التي جن جنون الفلول من أجلها فسعوا بكل قوة ليتراجع مرسي عن الإعلان الدستوري، بل طالبوا بعزله وسعوا لإحداث الفوضى وإشعال العنف ومحاصرة قصر الرئاسة وبيت الرئيس ليضغط الناس على الرئيس فيتراجع. واستغل هذا الإعلان الموتورون المبغوضون عمرو موسى والبرادعي وصبحين وأعلنوا الثورة على الإعلان الدستوري بحجة أنه يكرس الدكتاتورية، وحشدوا إعلام مبارك ضد الرئيس وإعلانه الدستوري، وتسلحوا بالأكاذيب للفت من عضد مؤيدي الرئيس، لكن الملايين التي خرجت تؤيد الرئيس في إجراءاته الأخيرة زادت من جنون المعارضين الذين لم يستطيعوا أن يحشدوا إلا بضعة آلاف للمعارضة في مقابل ملايين مؤيدة، فما ثم إلا العنف والاستفزاز باستئجار المجرمين والبلطجية للتخريب والقتل، ومشاركة شباب الأقباط في التظاهر مع محو ما يدل على نصرانيتهم من ألبسة وصلبان؛ لتكثير سواد العلمانيين، وإيهان عزم الحكومة، وإقناع الشعب أن المعارضين كثيرون. وأموال القبطي سارويس مع أموال الفلول كأحمد عز مع الأموال المتدفقة من بعض دول الخليج تمول أحداث العنف التي نشاهدها هذه الأيام، لكنها ستبوء بالفشل بإذن الله تعالى، وقد أحسن الإسلاميون وخاصة الإخوان الذين قتل بعض أفرادهم وجرحوا حين لم يقابلوا العنف بالعنف، وفوائد ذلك فضح المعارضين للرئيس من فلول مبارك والمتأمركين والناصريين أمام الشعب المصري، وأن هؤلاء المتأنقين في الظاهر يتبنون العنف، وزيادة التعاطف مع الإسلام الحركي المنظم الذي لم يرد العنف بعنف مثله، وتفريغ غضب المعارضين من فلول مبارك والأقباط وأتباع البرادعي وصبحين وعمرو موسى بمثل هذه الأحداث إلى أن يتم الاستفتاء على الدستور، فيكون حالهم كحال القائل: أوسعتهم شتما وساقوا الإبل. وقد أعجبني وصف الليبرالي أحمد عبد الجواد -عضو الهيئة العليا لحزب غد الثورة- والذي فضح النائب العام وقضاته في مؤامرتهم على الرئيس، حين وصف عنف الفلول والأقباط وأتباعهم بأنه رقصة الموت.
ولطول هذه المقالة سأفرد الحديث عن الدروس المستفادة من الأحداث المصرية المتسارعة بمقالة خاصة إن شاء الله تعالى، والله تعالى أسأل أن ينصر الحق وأهله، وأن يكبت الباطل وجنده، إنه سميع مجيب.
24/1/1434
إبراهيم بن محمد الحقيل
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما غزا الصليبيون العالم الإسلامي واحتلوا بلاد الشام وأسسوا إماراتهم فيها صمدت مصر أمام المد الصليبي، وفشلت فيها أهم الحملات الصليبية وهي الحملة السابعة التي قادها الملك الفرنسي لويس التاسع، وأثخن المصريون والشاميون في الصليبيين، وأسر لويس التاسع قائد الصليبيين، وسجن في المنصورة، وبعد هذه المعركة تقهقر أمر الصليبيين، وتوالت هزائمهم حتى دحروا.
وعندما اجتاح التتر بلاد المسلمين من خوارزم إلى بغداد، وأسقطوا الخلافة العباسية، ولم يقف في وجوههم شيء دُحروا على يد المصريين في عين جالوت، وأدبر أمرهم بعد ذلك.
وعندما سير نابليون حملته الاستعمارية على مصر في أواخر القرن الثامن عشر تصدى المصريون لهذه الحملة حتى أخرجوا الفرنسيين، وخلفهم الانجليز في القرن التاسع عشر وقاومهم المصريون حتى أخرجوهم. فاقتنع الصليبيون أن المسلمين لا يتم غزوهم من الخارج؛ لأن جذوة الجهاد تشتعل فيهم حتى تحرق المحتل الغازي، واقتنعوا أن مصر هي بوابة العالم العربي، وأن إفساد مصر كفيل بنشر الفساد في العالم العربي كله، وهذا ما كان في مصر عقب الاحتلالين الفرنسي ثم الإنجليزي؛ حيث الغزو بالقوة الناعمة بإعادة قراءة الإسلام من جديد، وإزالة الحواجز العقدية والفكرية والأخلاقية بين المؤمن والكافر، وحركة تحرير المرأة المسلمة من القيود الشرعية وجعلها كالغربية، وتبديل القضاء بإحلال القانون الوضعي محل الحكم الشرعي؛ وحيث بداية التصوير والتمثيل والسينما والغناء، وإغراق الناس بالشهوات، ومن مصر صُدِّر الإنحراف إلى العالم العربي كله؛ فصلاح مصر صلاح العالم العربي، وفسادها فساده، وقوتها قوته، وضعفها ضعفه. ولم يُحرر بيت المقدس من الاحتلال الصليبي إلا لما حررت مصر من حكم العبيديين الباطنيين، ولما احتله اليهود في القرن الماضي ما خافوا إلا من مصر، وركزوا جهودهم عليها حتى ظفروا باتفاقية كامب ديفد؛ ليحيدوا مصر عن الصراع، وبها تنفس اليهود الصعداء.
إن مصر لما كانت صالحة صدرت للعالم العربي والإسلامي العلماء والدعاة والمصلحين والمدرسين حتى غصت بهم المدارس والجامعات، وصدرت الكتب النافعة في شتى العلوم والمعارف حتى قيل: مصر تؤلف، ولبنان تطبع، والعراق يقرأ. ثم لما أفسدها العلمانيون بمعونة اليهود والنصارى صدّرت الفساد والانحلال في الأفلام والمسلسلات والكتب والمجلات. وظل الفساد مهيمنا على مصر طيلة القرن الماضي حتى جاءت الثورة المباركة فاقتلعت رأس الفساد وربانه لكن بقيت جذوره منتشرة في أجهزة الدولة تبث سمومها وأوبئتها، وتنشر أوساخها وقذارتها، والشعب المصري والعالم العربي من ورائه لن يجنيان شيئا من الثورة إذا كان الرأس صالحا في جسد مريض بات عشرات السنين يُحقن بالأوبئة. إن عملية تنظيف قذارات العلمانيين في مصر من قوميين ويساريين وناصريين وليبراليين ومتصهينين ومتأمركين تحتاج إلى وقت طويل وتضحيات جسيمة، وغالبا ما يكون قتلى ما بعد الثورة أكثر من قتلى الثورة. وقاذورات الأنظمة السابقة متجذرة ومتمكنة، واقتلاعها يجلب الألم لكن لا بد منه. وهذه القاذورات المتجذرة في الجسد المصري حقودة على الشعب المصري ولو ابتسمت له في الكاميرات؛ لأنه رفضها واختار عدوها، فتود الانتقام منه، وعندها استعداد أن تفني الشعب المصري لو قدرت على ذلك، فلا يُستغرب منها محاولة نشر الفوضى وإفشال جهود الحكومة الجديدة للنهوض بمصر.
ويمكن تقسيم التحالف القذر للالتفاف على الثورة المصرية وخلق الفوضى في مصر إلى أقسام خمسة:
الأول: فلول النظام السابق في أجهزة الدولة وخاصة القضاء, ودافعهم لذلك أمران: الإبقاء على نفوذهم وامتيازاتهم ونهبهم للشعب واستعباده، والخوف من فتح ملفات الفساد والنهب الذي كان سبب ثرائهم، ومن ثم محاكمتهم عليها.
الثاني: العلمانيون المضطهدون في النظام السابق؛ كالناصريين والشيوعيين؛ فإن مصر لما تحولت إلى الليبرالية في عهد السادات، وأخفق المشروع الناصري الاشتراكي نال من بقي منهم على المذهب السابق شيء من الأذى، وهؤلاء يريدون إعادة أمجاد عبد الناصر، ولا زالوا يحلمون بالفردوس الاشتراكي رغم انتهائه في دولته الأم.
الثالث: الأقباط؛ وذلك أن البابا الهالك شنودة الثالث أدخل الكنيسة المصرية في السياسة، وصارت طرفا لاعبا فيها للضغط على الحكومة لنيل امتيازات للأقباط، وعزز موقفه بعد رفضه مرافقة السادات لإسرائيل في زيارته لها بعد توقيع اتفاقية السلام معها.
وزاد قوته أقباط المهجر الذين يحرضون الدول الغربية والمنظمات الدولية على الحكومة المصرية، ويزعمون أنها تضطهد الأقباط، وهم في الواقع قد حظوا بما لم يحظ به المسلمون في مصر، غير أن لهم تطلعات لحكم مصر رغم أنهم أقلية في أكثرية مسلمة، وزاد من أحلامهم هذه فصل جنوب السودان؛ ولذا فهم يلوحون بالتقسيم.
الرابع: بعض الدول، خاصة ماخور الخليج فقد احتضنت بعض لصوص نظام مبارك وفلوله، ودافع هذه الدول الخوف من تمكن الإسلام الحركي أو السياسي؛ لأنه إن نجح في مصر واستقر له الأمر سيكتسح الدول كلها، ويكنس أقذارها، ويعيد للإسلام هيبته ومجده. وتسهم في ذلك أيضا مخابرات إسرائيل وأمريكا لأن حرب غزة الأخيرة أثبتت لليهود أن حماس ما بعد الثورة المصرية ليست كحماس ما قبلها، ولم يكن أداء مرسي رغم عدم تمكنه الكامل من السلطة كأداء نعل اليهود حسني مبارك؛ ولذا أوقف اليهود الحرب بعد أيام قليلة من إشعالها.
الخامس: أدعياء السلفية داخل مصر وخارجها، وبغض هؤلاء لما يسمى الإسلام الحركي أو السياسي -وخاصة الإخوان المسلمين- يجعلهم يتحالفون مع الشيطان، ويسبغون الشرعية على فرعون ولو ادعى الربوبية ما دام أن فيه مضرة على الإخوان والإسلام الحركي؛ ولذلك تحالفوا مع بشار النصيري، والقذافي العبيدي، ومع الليبراليين والعلمانيين، ووقت الانتخابات المصرية أجاز أحدهم باسم السلفية تولية القبطي على المسلمين، كرم الله تعالى منهج السلف الصالح عن رجس هؤلاء الخلوف.
ووقت الثورة كانت هذه المجموعات الخمس متباينة الموقف من الثورة بحسب مصالحها، فمنها المؤيد ومنها المعارض، لكن بعد بروز قوة المد الإسلامي الحركي ممثلا في الإخوان (خيرت الشاطر) والسلفيين (حازم أبو إسماعيل) وانقسام الشارع المصري بينهما دبر بقايا النظام السابق حيل إبعادهما، وأضفت لجنة الانتخابات شرعيةً على هذا الإبعاد بإبعاد عمر سليمان نائب مبارك الذي لن يفوز بأصوات شعب أسقط رئيسا هو نائبه ورجل مخابراته.
ثم لما حل محمد مرسي محل الشاطر وحازم، وبدت بوادر تقدمه في الاستفتاءات، احتشدت المجموعات الخمس آنفة الذكر خلف العلماني أحمد شفيق رئيس الوزراء في عهد مبارك، وهو متهم بقضايا فساد، ولكنه سقط وفاز مرسي رغم الدعم الكبير له من دول شتى، وهرب للإمارات ليعين مستشارا سياسيا لحاكمها، وهو ينفذ أجندته في الإمارات، ولن يكون إلا وبالا على أهلها، وسيفسدها كما أفسد في مصر، والتوتر الذي يعيشه الساسة في الإمارات مع الإخوان لم يأت إلا من مشورته على الأرجح، وبئس المشورة.
لقد كانت النية مبيتة للإجهاز على أي بادرة توصل الإسلام السياسي لكراسي الحكم في داخل مصر وخارجها؛ ولذا ضخت بعض دول الخليج أموالا ضخمة على أناس لا تساوي الأحذية التي تلبسها، لكنهم لم يفوزوا بشيء، ولم يثنوا الشعب المصري عن اختيار من يظنون أنه سيحكم بالإسلام، ويقيم العدل، ويقضي على الفساد، فقام الجيش المصري والمحكمة الدستورية بضربة استباقية قبيل الانتخابات حين حل مجلس الشعب المنتخب الذي هيمن على مقاعده الإسلاميون، وكان حله بقانون دستوري صنعته المحكمة للجيش لإعادة السلطة التشريعية للعسكر بحيث لا تجتمع للإسلام الحركي السلطتان التشريعية والتنفيذية فيما لو فاز مرسي بالانتخابات.
وأراد فلول النظام السابق أن يتسلم المرشح الإسلامي مرسي لو فاز بالسلطة حكما بلا حكومة، ورئاسة بلا صلاحيات؛ إذ سحب الجيش الصلاحيات من الرئيس؛ لإظهار الإسلام السياسي أمام الرأي العام المصري والعربي بالعاجز عن إدارة الحكومة، وتسربت معلومات للرئيس أن انقلابا عليه يدبره طنطاوي وعنان لكن وفق الله تعالى مرسي فعزل رأسي الفساد في الجيش في وقت ذهبي عجزا معه عن فعل شيء.
وبقي القضاء ورأسه النائب العام أقوى ما تبقى من فلول حسني مبارك، وتسربت معلومات أن انقلابا على شرعية الرئيس يدبره النائب العام عبد المجيد محمود، وأنه سيعيد طنطاوي وعنان، ويبطل قرار مرسي، فعزله الرئيس، وبعزله أطيح بنفوذ نصف فلول النظام السابق، فهي عملية تطهيرية فائقة للفساد المترسب في القضاء وما يحميه القضاء خارجه.
وكان الإعلان الدستوري الأخير ضربة موجعة للفلول لا تقلم أظفارهم وتحجم نفوذهم فحسب، بل تجعل كثيرا منهم محل الإدانة والمحاسبة؛ إذ كان من أهم بنوده مما يمس فلول النظام السابق إعادة محاكمة الضالعين في قمع الثوار وقتلهم سواء بالمباشرة أو بالأمر، وهذا من شأنه سيفضح عددا من المتربعين على كراسيهم ببدلاتهم الأنيقة، فيساقون من جاههم في دوائرهم الحكومية إلى المحاكمات والسجن. وفي ظني أن هذه هي القاصمة التي جن جنون الفلول من أجلها فسعوا بكل قوة ليتراجع مرسي عن الإعلان الدستوري، بل طالبوا بعزله وسعوا لإحداث الفوضى وإشعال العنف ومحاصرة قصر الرئاسة وبيت الرئيس ليضغط الناس على الرئيس فيتراجع. واستغل هذا الإعلان الموتورون المبغوضون عمرو موسى والبرادعي وصبحين وأعلنوا الثورة على الإعلان الدستوري بحجة أنه يكرس الدكتاتورية، وحشدوا إعلام مبارك ضد الرئيس وإعلانه الدستوري، وتسلحوا بالأكاذيب للفت من عضد مؤيدي الرئيس، لكن الملايين التي خرجت تؤيد الرئيس في إجراءاته الأخيرة زادت من جنون المعارضين الذين لم يستطيعوا أن يحشدوا إلا بضعة آلاف للمعارضة في مقابل ملايين مؤيدة، فما ثم إلا العنف والاستفزاز باستئجار المجرمين والبلطجية للتخريب والقتل، ومشاركة شباب الأقباط في التظاهر مع محو ما يدل على نصرانيتهم من ألبسة وصلبان؛ لتكثير سواد العلمانيين، وإيهان عزم الحكومة، وإقناع الشعب أن المعارضين كثيرون. وأموال القبطي سارويس مع أموال الفلول كأحمد عز مع الأموال المتدفقة من بعض دول الخليج تمول أحداث العنف التي نشاهدها هذه الأيام، لكنها ستبوء بالفشل بإذن الله تعالى، وقد أحسن الإسلاميون وخاصة الإخوان الذين قتل بعض أفرادهم وجرحوا حين لم يقابلوا العنف بالعنف، وفوائد ذلك فضح المعارضين للرئيس من فلول مبارك والمتأمركين والناصريين أمام الشعب المصري، وأن هؤلاء المتأنقين في الظاهر يتبنون العنف، وزيادة التعاطف مع الإسلام الحركي المنظم الذي لم يرد العنف بعنف مثله، وتفريغ غضب المعارضين من فلول مبارك والأقباط وأتباع البرادعي وصبحين وعمرو موسى بمثل هذه الأحداث إلى أن يتم الاستفتاء على الدستور، فيكون حالهم كحال القائل: أوسعتهم شتما وساقوا الإبل. وقد أعجبني وصف الليبرالي أحمد عبد الجواد -عضو الهيئة العليا لحزب غد الثورة- والذي فضح النائب العام وقضاته في مؤامرتهم على الرئيس، حين وصف عنف الفلول والأقباط وأتباعهم بأنه رقصة الموت.
ولطول هذه المقالة سأفرد الحديث عن الدروس المستفادة من الأحداث المصرية المتسارعة بمقالة خاصة إن شاء الله تعالى، والله تعالى أسأل أن ينصر الحق وأهله، وأن يكبت الباطل وجنده، إنه سميع مجيب.
24/1/1434
الجمعة، 14 ديسمبر 2012
الأحد، 9 ديسمبر 2012
الجمعة، 7 ديسمبر 2012
من أهم أساليب الدعوة إلى الله عز وجل الموعظة الحسنة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي جعل الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
وبعد:
فإن من رأى تهافت الناس على الدنيا والفرح بها والجري وراء حطامها ليأخذه العجب.. فهل هذا منتهى الآمال ومبتغى الآجال؟! كأنهم ما خلقوا إلا لتحصيل المادة وجمعها واللهث ورائها. ونسوا يومًا يرجعون فيه إلى الله.
وهذا هو الجزء السابع من سلسلة «أين نحن من هؤلاء؟!» تحت عنوان «الدنيا ظل زائل» جمعت فيه نظر من كان قبلنا إلى هذه الحياة الدنيا وهم الذين أيقنوا وعلموا أنها دار ممر ومحطة توقف ثم بعدها الرحيل الأكيد والحساب والجزاء.
والكتاب فيه تذكير بالمعاد والمصير وتزويد للسائر على الطريق.
جعل الله أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.
عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم
مدخل
قال الله -جل وعلا- في وصف الدنيا: { إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ } [غافر: 39] وحذر -سبحانه- من فتنة الأموال والأولاد، فقال -تعالى-: { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [الأنفال: 28] ونهى جل وعلا عن النظر إلى ما في أيدي الناس { وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } [طه: 131].
والآيات الواردة في ذم الدنيا وأمثلتها كثيرة، وأكثر القرآن مشتمل على ذم الدنيا، وصرف الخلق عنها ودعوتهم إلى الآخرة. فلا حاجة إلى الاستشهاد بآيات القرآن لظهورها (1) .
__________
(1) الإحياء باختصار: 3/216.
وها هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرتسم على لسانه نظرته إلى الدنيا بقوله: «مالي وللدنيا! إنما مثلي ومثل الدنيا: كمثل راكب قال في ظل شجرة، ثم راح وتركها» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه الألباني ولكثرة مشاغل الدنيا وأعمال الحياة. وحث -عليه الصلاة والسلام- على الاستعداد ليوم الرحيل والتزود للدار الآخرة، فقال: «كن في الدنيا: كأنك غريب أو عابر سبيل» رواه البخاري.
ومن رأى تهافت الناس على الدنيا وانكبابهم على جمع حطامها من حلال وحرام، تذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا رأيت الله -عز وجل- يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج» رواه أحمد والبيهقي.
ومن تعلق بالدنيا الزائفة، وجرى في اللهث وراء المادة، فإن ذلك ربما يصرفه عن الطاعة، والعبادة، وعن تأدية الواجبات في وقتها، وعلى أتم وجه وأكمله.
قال - صلى الله عليه وسلم - : «اقتربت الساعة، ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصًا، ولا يزدادون من الله إلا بعدًا» رواه الحاكم.
أما جمع الدنيا بحلال وصرفه في حلال فهذه: عبادة، يتقرب بها إلى الله -جل وعلا- أما إذا كانت من حرام، أو وضعت في حرام، فبئست الزاد إلى النار.
قال يحيى بن معاذ: لست آمركم بترك الدنيا، آمركم بترك الذنوب، ترك الدنيا فضيلة، وترك الذنوب فريضة، وأنتم إلى إقامة الفريضة أحوج منكم إلى الحسنات والفضائل.
والدنيا أخي الكريم: أعيان موجودة للإنسان، فيها حظ وهي الأرض وما عليها، فإن الأرض مسكن الآدمي، وما عليها ملبس ومطعم ومشرب ومنكم وكل ذلك علف لراحلة بدنه السائر إلى الله -عز وجل- فإنه لا يبقى إلا بهذه المصالح، كما لا تبقى الناقة في طريق الحاج إلا بما يصلحها، فمن تناول منها ما يصلحه على الوجه المأمور يمدح، ومن أخذ منها فوق الحاجة يكتنفه الشره، وقع في الذم، فإنه ليس للشره في تناول الدنيا وجه، لأنه يخرج عن النفع إلى الأذى، ويشغل عن طلب الأخرى، فيفوت المقصود، ويصير بمثابة من أقبل يعلف الناقة، ويرد لها الماء، ويغير عليها ألوان الثياب، وينسى أن الرفقة قد سارت، فإنه يبقى في البادية فريسة للسباع هو وناقته.
ولا وجه أيضًا للتقصير في تناول الحاجة، لأن الناقة لا تقوى على السير، إلا بتناول ما يصلحها، فالطريق السليم هي: الوسطى، وهي أن يؤخذ من الدنيا قدر ما يحتاج إليه من الزاد للسلوك، وإن كان مشتهى، فإن إعطاء النفس ما تشتهيه عون لها وقضاء لحقها (1) .
قال عون بن عبد الله: الدنيا والآخرة في القلب: ككفتي الميزان، ما ترجح أحدهما تخف الأخرى (2) .
ومن يحمد الدنيا لعيش يسره ... فسوف لعمري عن قليل يلومها
إذا أدبرت كانت على المرء حسرة ... وإن أقبلت كانت كثيرًا همومها (3)
وقيل للحسن: يا أبا سعيد: من أشد الناس صراخًا يوم القيامة؟ فقال: رجل رزق نعمة؛ فاستعان بها على معصية الله (4) .
ولا شك أن من استعان على الدنيا بالطاعة، فإنه في خير عظيم، يتصدق، وينفق، ويساهم في نشر العلم وبناء المساجد. وهذه نعمة من الله له، أن وجهه لاستعمال هذا المال فيما ينفعه في آخرته.
والإنسان: محب للمال، جامع للذهب والفضة، يجري من مولده حتى موته خلف الدرهم والدينار، ولكن ماذا يبلغ.. وإلى أين ينتهي..؟!
__________
(1) مختصر منهاج القاصدين: 211.
(2) تزكية النفوس: 129.
(3) بستان العارفين: 17.
(4) الحسن البصري: 47.
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها ... والنفس واحدة والهم منتشر
فالمرء ما عاش ممدود له أجل ... لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر
والدنيا مقبلة ومدبرة.. فمن غنى إلى فقر، ومن فرح إلى ترح، لا تبقى على حال، ولا تستمر على منوال.. فهذه سنة الله في خلقه.. والناس يجرون خلف سراب.. سنوات معدودة وأيام معلومة.. ثم تنقضي.
وما هي إلا جيفة مستحيلة ... عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلمًا لأهلها ... وإن تجتذبها نازعتك كلابها (1)
قال عمر بن الخطاب: الزهد في الدنيا: راحة القلب والبدن (2) .
وقال الحسن: أدركت أقوامًا لا يفرحون بشيء من الدنيا أتوه، ولا يأسفون على شيء منها فاتهم (3) .
وجماع ذلك قول الإمام أحمد: الزهد في الدنيا: قصر الأمل (4) .
والمؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنًا ومسكنًا فيطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه فيها على جناح سفر (5) .
وهذا هو الفهم الصحيح.. والعلم النافع.. ذكر ذلك يحيى بن معاذ فقال: كيف لا أحب دنيا، قدر لي فيها قوت، أكتسب به حياة، أدرك بها طاعة.. أنال بها الجنة (6) .
هذا هو من يغبط في هذه الدنيا، لا أصحاب الدور والقصور.. المفرطون في العبادات، والمضيعون للطاعات.
إذا ما كساك الدهر ثوبًا لصحة ... ولم تخل من قوت يحل ويعذب
فلا تغبطن المترفين فإنه ... على حسب ما يعطيهم الدهر يسلب (7)
وقال عبد الله بن عمر: إن الدنيا: جنة الكافر وسجن المؤمن.. وإنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه، كمثل رجل كان في سجن فأخرج منه، فجعل يتقلب في الأرض ويتفسح فيها (8) .
__________
(1) شذرات الذهب: 20/10.
(2) تاريخ عمر: 26.
(3) الزهد لأحمد: 230.
(4) مدارج السالكين: 2/11.
(5) جامع العلوم: 3780.
(6) تزكية النفوس: 128.
(7) الزهد للبيهقي: 116.
(8) شرح الصدور: 13.
أيها الناس! إن سهام الموت صوبت إليكم، فانظروها، وحبالة الأمل قد نصبت بين أيديكم، فاحذروها، وفتن الدنيا قد حاطت بكم من كل جانب، فاتقوها، ولا تغتروا بما أنتم فيه من حسن الحال، فإنه إلى زوال، ومقيمة إلى ارتحال، وممتدة إلى تقلص واضمحلال (1) .
تمر بنا الأيام تترى وإنما ... نساق إلى الآجال والعين تنظر
فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى ... ولا زائل هذا المشيب المكدر (2)
فمن تكفر في عواقب الدنيا أخذ الحذر، ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر (3) .
وقد لهونا في هذه الدنيا.. وتتابعت ذنوب خلف ذنوب.
أخي الحبيب... أين نحن من هؤلاء؟!
عن أنس بن عياض قال: رأيت صفوان بن سليم، ولو قيل له: غدًا القيامة ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة (4) .
عجبت لحالنا.. الدنيا مولية عنا، والآخرة مقبلة علينا، ونشتغل بالمدبرة، ونعرض عن المقبلة.. كأننا لن نصل إليها.. ولن نحط رحالنا فيها..
وقد قال عمر بن عبد العزيز في خطبته: إن الدنيا ليست بدار قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب الله على أهلها منها الظعن، فكم من عامر موثق عن قليل يخرب، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا -رحمكم الله- منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، وإذا لم تكن الدنيا للؤمن دار إقامة ولا وطنًا، فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على أحد حالين، إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد غربة، همه التزود للرجوع إلى وطنه، أو يكون كأنه مسافر غير مقيم ألبتة، بل هو ليله ونهاره يسير إلى بلد الإقامة (5) .
فما فرحت نفسي بدنيا أخذتها ... ولكن إلى الملك القدير أصير
ومالي شيء غير أني مسلم ... بتوحيد ربي مؤمن وخبير (6)
__________
(1) العاقبة: 69.
(2) شذرات الذهب: 6/231.
(3) صيد الخاطر: 25.
(4) السير: 5/366.
(5) جامع العلوم: 379.
(6) شذرات الذهب: 2/119.
والناس تتصارع وتتكالب على هذه الدنيا.. يفقد البعض دينه، وينسى الكثير أبناءه.. انتشرت الأحقاد.. وزرعت الضغائن.. وعمت البغضاء.. لنرى كيف نظر الفضيل إلى هذه الدنيا بقوله: لا يسلم لك قلبك حتى لا تبالي من أكل الدينا.
أخي الحبيب:
تبلغ من الدنيا بأيسر زاد ... فإنك عنها راحل لمعاد
وغض عن الدنيا وزخرف أهلها ... جفونك وأكحلها بطيب سهاد
وجاهد على اللذات نفسك جاهدًا ... فإن جهاد النفس خير جهاد
وما هي إلا دار لهو وفتنة ... وإن قصارى أهلها لنفاد (1)
قال بلال بن سعد ليذكرنا بمآلنا ومصيرنا: يا أهل التقى، إنكم لم تخلقوا للفناء، وإنما تنقلون من دار إلى دار، كما نقلتم من الأصلاب إلى الأرحام، ومن الأرحام إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى القبور، ومن القبور إلى الموقف، ومن الموقف إلى الخلود في جنة أو نار (2) .
ولذلك قال الحسن: إياكم وما شغل من الدنيا، فإن الدنيا كثيرة الاشتغال، لا يفتح رجل على نفسه باب شغل، إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب (3) .
وقال ابن السماك: من جرعته الدنيا حلاوتها لميله إليها، جرعته الآخرة مرارتها لتجافيه عنها (4) .
أيا نفس ويحك جاء المشيب ... فماذا التصابي وماذا الغزل
تولى شبابي كأن لم يكن ... وجاء مشيبي كأن لم يزل
كأني بنفسي على غرة ... وخطب المنون بها قد نزل (5)
أخي الحبيب:
أساس كل خير أن تعلم: أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فتتيقن حينئذ أن الحسنات من نعمه، فتشكره عليها، وتتضرع إليه أن لا يقطعها عنك، وأن السيئات من خذلانه وعقوبته، فتبتهل إليه أن يحول بينك وبينها، ولا يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات إلى نفسك (6) .
عندما سئل إبراهيم بن أدهم: كيف أنت؟ قال:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
__________
(1) المنتخب: 401.
(2) السير: 5/91.
(3) الزهد، لابن المبارك: 189.
(4) شذرات الذهب: 1/304.
(5) وفيات الأعيان: 3/310.
(6) الفوائد: 127.
فطوبى لعبد آثر الله ربه ... وجاد بدنياه لما يتوقع
إن من علامات حب الدنيا: حب أهل الدنيا، والتملق لهم، ومحاباتهم، وعدم إنكار منكرهم.. وقد أكد ذلك سفيان الثوري بقوله: إني لأعرف حب الرجل للدنيا، بتسليمه على أهل الدنيا (1) .
وانظر إلى الفقير الصالح المتعفف.. لا يتحدث معه.. بل ويسلم عليه سلام من يخاف أن يعديه بفقره.. السلام: بأطراف الأصابع.. والسؤال عن الحال: فيه عبوس وجه، وسوء أدب.
والتفت -أخي- يمنة لترى كيف وقف القوم .. يهللون ويرحبون .. من القادم؟ إنه من أهل الدنيا .. من حاز الدينار والدرهم.. وربما أنه لا يصلي..
وربما يصم الآذان، ويزكم الأنوف.. سوء عمله.. ولكن انظر الفرق.. بين من لو أقسم على الله لأبره، وكيف هو لا يسأل عنه، إن غاب أو حضر، وبين من لا يزن عند الله جناح بعوضة كيف استقباله والحفاوة به..
إنها الدنيا..
واعلم بأن المرء غير مخلد ... والناس بعد لغيرهم أخبار
قال عبد الله بن عون: إن من كان قبلنا كانوا يجعلون للدنيا ما فضل عن آخرتهم، وإنكم تجعلون لآخرتكم ما فضل عن دنياكم (2) .
أخي المسلم:
إن عمر الدنيا والله قصير، وأغنى غني فيها فقير، وكأني بك في عرصة الموت، وقد استنشقت ريح الغربة قبل الرحيل، ورأيت أثر اليتم في الولد قبل الفراق، فتيقظ إذن من رقدة الغفلة، وانتبه من السكرة، وأقلع حب الدنيا من قلبك، فإن العبد إذا أغمض عينه وتولى، تمنى الإقالة فقيل كلا (3) .
في يوم من أيام الحياة ستدبر الدنيا وتقبل الآخرة.. وما كان بعيدًا أضحى قريبًا.. وما كنت تراه في الذاهبين.. سيراه الأحياء فيك.. موت فجأة.. أو مرض بغتة.. أو أنت على فراشك تحمل إلى قبرك .. إنها عبر ترى ومصارع تترى.. ونحن في غفلتنا نائمون.. وفي غينا تائهون.
تبًا لطالب دنيا لا بقاء لها ... كأنما هي في تصريفها حلم
__________
(1) حلية الأولياء: 7/37.
(2) صفة الصفوة: 3/101.
صفاؤها كدر، وسراؤها ضرر ... أمانها غرر، أنوارها ظلم
شبابها هرم، راحاتها سقم ... لذاتها ندم، وجدانها عدم
لا يستفيق من الأنكاد صاحبها ... لو كان يملك ما قد ضمنت إرم
فخل عنها، ولا تركن لزهرتها ... فإنها نعم في طيتها نقم
واعمل لدار نعيم لا نفاد لها ... ولا يخاف بها موت ولا هرم (1)
قال أبو حازم: من عرف الدنيا لم يفرح فيها برخاء .. ولم يحزن على بلوى.
وقال علي بن أبي طالب: من جمع فيه ست خصال لم يدع للجنة مطلبًا ولا عن النار مهربًا، أولها: من عرف الله وأطاعه، وعرف الشيطان فعصاه، وعرف الحق فاتبعه، وعرف الباطل فاتقاه، وعرف الدنيا فرفضها، وعرف الآخرة فطلبها (2) .
وحسن ظنك بالأيام معجزة ... فظن شرًا وكن منها على وجل
والوجل -أخي الكريم- هو الخوف مما ذكره الفضيل بن عياض بقوله: الدخول في الدنيا هين، ولكن الخروج منها شديد (3) .
الخروج أنفاس تتوقف.. ولحظات عصيبة.. تنتزع فيها الروح انتزاعًا.. وحتى إن كان الخروج سهلاً، فإن الجري وراء الدنيا واللهث وراء المادة.. يجلب تشتت الذهن وكثرة الهموم.. واضطراب النفس.
أرى الدنيا لمن هي في يديه ... هموما كلما كثرت لديه
تهين المكرمين لها بصفر ... وتكرم كل من هانت عليه
إذا استغنيت عن شيء فدعه ... وخذ ما أنت محتاج إليه (4)
أخي الحبيب:
كن من أبناء الآخرة، ولا تكن من أبناء الدنيا، فإن الولد يتبع الأم، والدنيا لا تساوي نقل أقدامك إليها، فكيف تعدو خلفها (5) ؟
انفض يديك من الدنيا وساكنها ... فالأرض قد أقفرت والناس قد ماتوا (6)
قالت امرأة حبيب بن محمد: كان يقول: إن مت اليوم فأرسلي إلى فلان يغسلني، وافعلي كذا واصنعي كذا، فقيل لامرأته: أرأى رؤيا؟ قالت: هذا قوله كل يوم (7) .
__________
(1) مكاشفة القلوب: 329.
(2) الإحياء: 3/221.
(3) الإحياء: 3/224.
(4) الإحياء: 2/344.
(5) الفوائد: 68.
(6) شذرات الذهب: 3/388.
(7) صفة الصفوة: 3/320.
أخي.. إذا استغنى الناس بالدنيا، فاستغن أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله، وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم؛ لينالوا بهم العزة والرفعة، فتعرف أنت إلى الله، وتودد إليه تنل بذلك غاية العز والرفعة (1) .
وخطب عمر بن عبد العزيز فقال في خطبته: لكل سفر زاد، فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة بالتقوى، وكونوا كمن عاين ما أعد الله له من عذابه، فترغبوا وترهبوا، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلبكم. وتنقادوا لعدوكم، فإن الله ما بسط أمل من لا يدري لعله لا يمسي بعد إصباحه، ولا يصبح بعد إمسائه، وربما كانت له كامنة بين ذلك خطرات الموت والمنايا، وإنما يطمئن من وثق بالنجاة من عذاب الله وأهوال يوم القيامة، فأما من لا يداوي من الدنيا كلما إلا أصابه جارح من ناحية أخرى، فكيف يطمئن؟ أعوذ بالله أن آمركم بما أنهى عنه نفسي، فتخسر صفقتي وتبدو مسكنتي في يوم لا ينفع فيه إلا الحق والصدق (2) .
يا لاهيًا بالمنايا قد غره الأمل ... وأنت عما قليل سوف ترتحل
تبغي اللحوق بلا زاد تقدمه ... إن المخفين لما شمروا وصلوا
لا تركنن إلى الدنيا وزخرفها ... فأنت من عاجل الدنيا ستنتقل
أصبحت ترجو غدًا يأتي وبعد غد ... ورب ذي أمل قد خانه الأمل
هذا شبابك قد ولت بشاشته ... ما بعد شيبك لا لهو ولا جدل
ماذا التعلل بالدنيا وقد نشرت ... لأهلها صحة في طيها علل (3)
قال محمد بن أبي عمران: سمعت حاتمًا الأصم وسأله رجل: على ما بنيت أمرك هذا في التوكل على الله؟ قال: على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري، فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري، فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري، فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة، فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله حيث كنت فأنا مستحي منه.
__________
(1) الفوائد: 152.
(2) البداية والنهاية: 9/283.
(3) التبصرة: 1/49.
زعم الذين تشرقوا وتغربوا ... أن الغريب وإن أعز ذليل
فأجبتهم إن الغريب إذا اتقى ... حيث استقل به الركاب جليل (1)
قال عبد الله بن المبارك: يابن آدم.. استعد للآخرة، وأطع الله بقدر حاجتك إليه، وأغضب الله بقدر صبرك على النار.
سبحانك ربنا لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.. نعصيك بجهلنا وتعفوا برحمتك.
هذا الفضيل بن عياض يصور حال المؤمن في هذه الدار بقوله: المؤمن في الدنيا مهموم حزين.. همه مرمة جهازه، ومن كان في الدنيا كذلك، فلا هم له إلا التزود بما ينفعه عند العود إلى وطنه، فلا ينافس أهل البلد الذي هو غريب بينهم في عزهم، ولا يجزع من الذل عندهم (2) .
إنما الدنيا فناء ... ليس للدنيا ثبوت
إنما الدنيا كبيت ... نسجته العنكبوت (3)
قال وهيب بن الورد: اتق أن تسب إبليس في العلانية وأنت صديقه في السر.
فهذا إبليس، والنفس الأمارة بالسوء، والهوى أرسو قلاعهم ليصدوا المسلم عن دينه ويزينوا له العثرات... فإنهم يعملون في هذه الدنيا لصده عن الحق وتزيين المعصية.
أخي الحبيب:
الدنيا مضمار سباق وقد انعقد الغبار وخفي السابق، والناس في المضمار بين فارس وراجل وأصحاب حمر معقرة...
سوف ترى إذا انجلى الغبار ... أفرس تحتك أم حمار؟
ونحن نسير إلى آجالنا.. تنقص أعمارنا وتدنو نهاياتنا.. نسير: لاهون غافلون، لا نحسب لهذا اليوم حساب.. ولا نتجهز ليوم المعاد.
قال الحسن: تؤمل أن تعمر عمر نوح، وأمر الله يطرق كل ليلة (4) .
يؤمل دنيا لتبقى له ... فوافى المنية قبل الأمل
حثيثًا يروي أصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل (5)
قال أبو حازم سلمة بن دينار: إن كان يغنيك من الدنيا ما يكفيك، فأدنى عيش من الدنيا يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء يكفيك (6) .
__________
(1) شذرات الذهب: 6/349.
(2) جامع العلوم والحكم: 379.
(3) الشافعي: 54.
(4) الزهد: للحسن البصري.
(5) صفة الصفوة: 4/65.
فوالله رأينا من يملك الدنيا رحل بكفن.. ورأينا من لا يملك من الدنيا شيء رحل بكفن.. تساوى الجميع عند هذه الحفرة -القبر- واختلفوا في داخلها.. فإما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من
حفر النار.
إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق
والليالي متجر الإنسان والأيام سوق (1)
عندما سئل أبو صفوان الرعيني: ما هي الدنيا التي ذمها الله في القرآن، والتي ينبغي للعاقل أن يتجنبها؟ فقال: كل ما أحببت في الدنيا تريد به الدنيا فهو مذموم، وكل ما أحببت منها تريد به الآخرة فليس منها (2) .
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه يصف الدنيا: حلالها حساب، وحرامها النار.
وقيل: أوحي إلى داود عليه السلام: يا داود: إني لأنظر إلى الشيخ في كل يوم صباحًا ومساءً وأقول له: يا عبدي، كبر سنك، ورق جلدك، ودق عظمك، وحان قدومك علي، فاستحي مني فإني استحي منك (3) .
يا بؤس للإنسان في الـ ... ـدنيا وإن نال الأمل
يعيش مكتوم العلل ... فيها ومكتوم الأجل
بينا يرى في صحة ... مغتبطًا قيل اعتلل
وبينما يوجد فيـ ... ـها ثاويًا قيل انتقل
فأوفر الحظ لمن ... يتبعه حسن العمل (4)
قال الحسن رضي الله عنه: يابن آدم، إنما هي أيام إذا مضى يومك ينقصك.
ولهفنا ولهثنا وراء الدنيا.. نخاف من الفقر ونطمع في جمع الحطام.. كأننا نخلد أو نبقى فيها إلى الأبد.. نخاف الفقر، ولا نخاف الحساب.. نخاف الجوع، ولا نخاف من التقريع والعقاب.
قال يحيى بن معاذ رحمة الله عليه: مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة (5) .
وانظر إلى حال من سلف كما قال عنهم الحسن البصري: والذي نفسي بيده، لقد أدركت أقوامًا كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي يمشون عليه.
نذم زمانا ما له من جناية ... ونشكوه لو يغني عن المرء شكواه
ولا ذنب فيها للزمان وإنما ... جنينا فعوقبنا بما جنيناه
__________
(1) الزهد: للبيهقي 317.
(2) تزكية النفوس: 128.
(3) الزهر الفائح: 42.
(4) تاريخ بغداد: 10/367.
(5) الإحياء: 4/ 170.
هو القدر الجاري على الكره والرضا ... فصبر وتسليمًا لما قدر الله (1)
قال الفضيل، يفصل واقع الأيام، ويحكى سيرها: إنما أمس: فعل، واليوم: عمل، وغدًا. أمل (2) .
أخي المسلم:
إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادًا لما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك واقض ما أنت قاض من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك.
كتب بعض السلف إلى أخ له: يا أخي: يخيل إليك أنك مقيم، بل أنت دائب السير، تساق مع ذلك سوقًا حثيثًا، الموت متوجه إليك، والدنيا تطوى من ورائك. وما مضى من عمرك فليس بكار عليك يوم التغابن (3) .
ونحن نسير في ركب الزاهدين وتمر بنا قوافل الصالحين.. كيف نرى الجمع بين الدنيا والآخرة.. وبين الزهد والقناعة..
قال علي بن الفضيل: سمعت أبي يقول لابن المبارك: أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة، ونراك تأتي بالبضائع، كيف ذا؟ قال: يا أبا علي، إنما أفعل ذلك لأصون وجهي، وأكرم عرضي، وأستعين به على طاعة ربي، قال: يا ابن المبارك.. ما أحسن هذا إن تم هذا!!
أخي الحبيب:
كيف ترانا على هذه الدنيا؟! ما أحسن الدنيا إذا أتت من حلال.. وصرفت في حلال.. فأوجه الخير لا تحصى.. فمن: صدقة، إلى إعانة ملهوف، ونجدة مصاب.. إلى رعاية أرامل، وكفالة أيتام.
أخي.. قال سفيان: احذر سخط الله في ثلاث: احذر أن تقصر فيما أمرك، واحذر أن يراك وأنت لا ترضى بما قسم لك، وأن تطلب شيئًا من الدنيا فلا تجده أن تسخط على ربك.
__________
(1) جنة الرضا: 2/260.
(2) السير: 8/ 427.
(3) جامع العلوم والحكم: 381.
إن من قسم الأرزاق في هذه الدنيا هو: الله، فلا بد أن ترضى لما قسم لك قل أو كثر.. أتى أو ذهب.. وسواء أقبلت الدنيا أو أدبرت.. لا بد أن ترضى بنصيبك منها ولا تشغل بالك.. فلا تتسخط لما قسم لك الله، ولا تنظر إلى من أعلى منك دنيا، ولكن انظر إلى الصالحين الأخيار..
من شاء عيشًا رحيبًا يستطيل به ... في دينه ثم في دنياه إقبالاً
فلينظرن إلى من فوقه ورعًا ... ولينظرن إلى من دونه مالا (1)
وخير من ذلك كله ما قاله -جل وعلا- في محكم كتابه: { لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } [طه: 131].
قال إبراهيم الأشعث: سمعت الفضيل يقول: رهبة العبد من الله على قدر علمه بالله وزهادته في الدنيا على قدر رغبته في الآخرة، من عمل بما علم استغنى عما لا يعلم، ومن عمل بما علم وفقه الله لما يعلم، ومن ساء خلقه شان دينه وحسبه ومروءته (2) .
قال بعض الزهاد: ما علمت أن أحدًا سمع بالجنة والنار تأتي عليه ساعة لا يطيع الله فيها: بذكر، أو صلاة، أو قراءة، أو إحسان، فقال له رجل: إني أكثر البكاء، فقال: إنك إن تضحك مقر بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك. وإن المدل لا يصعد عمله فوق رأسه، فقال: أوصني، فقال: دع الدنيا لأهلها كما تركوا هم الآخرة لأهلها، وكن في الدنيا كالنحلة إن أكلت أكلت طيبًا وإن أطعمت أطعمت طيبًا، وإن سقطت على شيء لم تكسره ولم تخدشه (3) .
أخي الحبيب:
ما تذكر أحد الموت إلا هانت الدنيا في عينه، وزالت الغشاوة من أمام ناظره.. فإنها سنوات معدودة مهما جمعت فيها ومهما حصلت على كنوزها؛ فإن وراء ذلك هادم اللذات ومفرق الجماعات.
قال الحسن: إن الموت فضح الدنيا، فلم يترك لذي لب فيها فرحًا (4) .
وأي فرح -أخي- وها هي الدنيا..
__________
(1) الإحياء: 4/ 131.
(2) السير: 8/ 426.
(3) الفوائد: 153.
(4) تاريخ بغداد: 14/444.
قد نادت الدنيا على نفسها ... لو كان في العالم من يسمع
كم واثق بالعمر أفنيته ... وجامع بددت ما يجمع (1)
قال أبو عبيدة الناجي -رحمه الله-: دخلنا على الحسن البصري -رحمه الله- في يومه الذي مات فيه، فقال: مرحبًا بكم وأهلاً، وحياكم الله بالسلام، وأحلنا وإياكم دار المقام، هذه علانية حسنة إن صدقتم وصبرتم، فلا يكونن حظكم من هذا الأمر أن تسمعوه بهذه الآذان، وتخرجوه من هذه الأفواه، فإن مَنْ رأى محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رآه غاديًا ورائحًا، لم يضع لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، ولكن رفع له علم فشمر إليه.. الوحا الوحا، النجاء النجاء، علام تعرجون؟ ارتبتم ورب الكعبة، كأنكم والأمر معًا، رحم الله امرءًا جعل العيش عيشًا واحدًا، فأكل كسرة، ولبس خلقًا، ولصق بالأرض، واجتهد في العبادة، وبكى على الخطيئة، وفر من العقوبة، وطلب الرحمة، حتى يأتيه أجله وهو على ذلك (2) .
قال النابغة الجعدي عن الدنيا وحال الإنسان فيها:
المرء يرغب في الحيا ... ة وطول عيش قد يضره
تفنى بشاشته ويبـ ... ـقى بعد حلو العيش مره
وتسوءه الأيام حتـ ... ـى ما يرى شيئًا يسره
__________
(1) طبقات الشافعية: 6/78.
(2) العاقبة: 89.
روى أبو كبشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الدنيا أربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علمًا، ولم يرزقه مالاً؛ فهو صادق النية، فيقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا فهو يتخبط في ماله بغير علم، ولا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم فيه لله حقًا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا، وهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان؛ فهو بنيته فوزرهما سواء» (1) .
أخي الحبيب:
يكفي من الدنيا أنها مزرعة الآخرة، وأنها موسم العبادات وزمن الطاعات، فيها نتزود للآخرة.. ونسير مرحلة إلى الآجلة.
لا تتبع الدنيا وأيامها ... ذمًا وإن دارت بك الدائرة
من شرف الدنيا ومن فضلها ... أن بها تستدرك الآخرة (2)
قال الفضيل -رحمه الله-: جعل الله الشر كله في بيت، وجعل مفتاحه حب الدنيا، وجعل الخير كله في بيت مفتاحه الزهد في الدنيا (3) .
أخي الحبيب.. أين نحن من هؤلاء؟
قال عبد الله بن داود: كان أحدهم إذا بلغ أربعين سنة طوى فراشه، أي كان لا ينام طول الليل، يصلي ويسبح ويستغفر.. يستدرك ما مضى من عمره ويستعد لما أقبل من أيامه.
إن لله رجالاً فطنا ... طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا ... أنها ليست لحي وطنا
جعلوا لجة واتخذوا ... صالح الأعمال فيها سفنا
كان عبد الله بن ثعلبة يقول في موعظته: تضحك يا هذا ولعل أكفانك عند القصار!! (4) .
__________
(1) جامع العلوم والحكم: 429.الحديث رواه أحمد والترمذي وقال الترمذي: حسن صحيح [تحفة الأحوذي 6/1615] وقال الشيخ الألباني، صحيح.
(2) أدب الدنيا والدين: 134.
(3) الإحياء: 4/257.
(4) العاقبة: 88
يا راقدًا وقد أوذن بالرحيل، يا مشيد البنيان في مدارج السيول، بادر العمل قبل انقضاء العمر.. لا تنس من يعد الأنفاس للقائك.
أخي الحبيب:
خذ من الرزق ما كفا ... ومن العيش ما صفا
كل هذا سينقضي ... كسراج إذا انطفا
قال يحيى بن معاذ: الدنيا ذات اشتغال، والآخرة دار أهوال، ولا يزال العبد بين الأشغال والأهوال حتى يستقر به القرار، إما إلى جنة وإما إلى نار (1) .
أخي المسلم:
من بذل وسعه في التفكر التام، علم أن هذه الدار رحلة، فجمع للسفر رحله، ويعلم أن مبدأ السفر من ظهور الآباء إلى بطون الأمهات، ثم إلى الدنيا، ثم إلى القبر، ثم إلى الحشر، ثم إلى دار الإقامة الأبدية، فدار الإقامة هي دار السلام من جميع الآفات، وهي دار الخلود، والعدو سبانا إلى دار الدنيا، فنجتهد في فكاك أسرنا، ثم في حث السير إلى الوصول إلى دارنا الأولى. وليعلم أن مقدار السير في الدنيا يسير ويقطع بالأنفاس، ويسير بالإنسان سير السفينة ولا يحس بسيرها وهو جالس فيها.
ولا بد له في سفره من زاد، ولا زاد إلى الآخرة إلا التقوى، فلا بد من تعب الشخص والتصبر على مرارة التقوى، لئلا يقول وقت السير: رب ارجعون، فيقال: كلا، فلينتبه الغافل من كسل مسيره، فإن الله تعالى يريه في قطع مسافة سفره آيات يرسلها تخويفًا لعباده، لئلا يميلوا عن طريقهم المستقيم، ونهجهم القويم، فمن مالت به راحلته عن طريق الاستقامة، فرأى ما يخاف منه، فليرغب إلى الله بالرجوع إليه عما ارتكبه من السبل، فيتوب من معصيته (2) .
والحال في الدنيا كما وصفها الربيع بن خثيم عندما سئل: كيف أصبحت يا أبا يزيد؟ قال: أصبحنا ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا، وننتظر آجالنا (3) .
وكان شميط بن عجلان يقول إذا وصف أهل الدنيا: حيارى سكارى، فارسهم يركض، وراجلهم يسعى سعيًا، لا غنيهم ولا فقيرهم يقنع (4) .
أخي:
__________
(1) الزهد: للبيهقي، 248.
(2) عدة الصابرين: 330.
(3) صفة الصفوة: 3/67.
(4) صفة الصفوة: 3/ 346.
خذ القناعة من دنياك وارض بها ... لو لم يكن لك فيها إلا راحة البدن
ومن استعد للقاء الله، واستثمر أوقاته فيما يعود عليه نفعها في الآخرة؛ فإنه سيفرح يوم لا ينفع مال ولا بنون.. يوم تتطاير الصحف، وترتجف القلوب، وتتقلب الأفئدة.. وترى الناس سكارى وما هم بسكارى.. ولكن عذاب الله شديد.
قال أنس بن عياض: رأيت صفوان بن سليم.. لو قيل له غدًا القيامة، ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة (1) .
هؤلاء قوم جاهدوا أنفسهم.. وتفكروا في آخرتهم.. واستعدوا لمعادهم.
إذا ما عدت النفس ... عن الحق زجرناها
وإن مالت إلى الدنيا ... عن الأخرى منعناها
تخادعنا ونخدعها ... وبالصبر غلبناها (2)
قال محمد بن الحنفية: كل ما لا يبتغى به وجه الله يضمحل (3) .
فمن أراد الدنيا للدنيا انقطعت عنه مع أنفاسه الأخيرة.. وولت هاربة عنه في لحظاته الرهيبة.. ومن أراد الدنيا طريقًا إلى الآخرة وسبلاً إلى جنة عرضها السموات والأرض، فحسبه ما طرق.. وسبيله إلى دار السلام برحمة من الله ورضوان.
وأهل الطاعة والصلاح قوم مثلنا يحبون الدنيا وزينتها، ولكنهم قدموا باقية على فانية، فسهل الله لهم الطريق وأذل لهم الصعاب.
صبرت على اللذات لما تولت ... وألزمت نفسي صبرها فاستمرت
وكانت على الأيام نفس عزيرة ... فلما رأت عزمي على الذل ذلت
فقلت لها يا نفس موتي كريمة ... فقد كانت الدنيا لنا ثم ولت
خليلي لا والله ما من مصيبة ... تمر على الأيام إلا تجلت
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ... فإن أطعمت تاقت وإلا تسلت (4)
__________
(1) حلية الأولياء: 3/ 159.
(2) صفة الصفوة: 4/ 114.
(3) حلية الأولياء: 3/176.
(4) شذرات الذهب: 2/364.
قال رجل للفضيل بن عياض: كيف أصبحت يا أبا علي؟ فكان يثقل عليه، كيف أصبحت؟ وكيف أمسيت؟! فقال: في عافية، فقال: كيف حالك؟ فقال: على أي حال تسأل؟ عن حال الدنيا أو حال الآخرة؟ إن كنت تسأل عن حال الدنيا فإن الدنيا قد مالت بنا وذهبت بنا كل مذهب، وإن كنت تسأل عن حال الآخرة فكيف ترى حال من كثرت ذنوبه، وضعف عمله، وفني عمره، ولم يتزود لمعاده، ولم يتأهب للموت، ولم يخضع للموت، ولم يتشمر للموت، ولم يتزين للموت... وتزين للدنيا (1) .
وحال الكثير منا يصفه عوف بن عبد الله حينما قال: إن من كان قبلكم كانوا يجعلون للدنيا ما فضل عن آخرتهم، وإنكم اليوم تجعلون لآخرتكم ما فضل عن دنياكم (2) .
وما نراه اليوم من بذل الأوقات والجهد والأخذ والعطاء والتدقيق والتمحيص لأجل الدنيا لوجدنا العجب... حتى إن البعض لو أراد شراء حاجة حقيرة أشغل نفسه أيامًا عديدة، وأضاع من أوقاته ساعات ثمينة... ولو رأيته في المسجد لرأيت نقر الصلاة وعدم الاهتمام بركوعها وسجودها.. بل ومسابقة الإمام.. يؤديها بغير خشوع.. ولا ترى منه الدموع.
فالكثير من الناس مهموم مغموم في أمور الدنيا، ولا يتحرك له طرف إذا فاتته مواسم الخيرات أو ساعات تحري الإجابات.. تراه لاهيًا، ساهيًا.. شاردًا.. يجمع ويطرح، ويزيد وينقص.. وكأن يومه الذي يمر به سيعود إليه.. أو شهره الذي مضى سيرجع إليه؟!
قال بندار يتحدث عن يحيى بن سعيد: اختلفت إليه عشرين سنة، فما أظن أنه عصي الله قط (3) .
أخي المسلم:
اصبر على مضض الإدلاج بالسحر ... وفي الرواح على الطاعات والبكر
لا تضجرن ولا يعجزك مطلبها ... فالهم يتلف بين اليأس والضجر
إني رأيت في الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقل من جد في أمر يطلبه ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر (4)
__________
(1) حلية الأولياء: 8/86.
(2) تذكرة الحفاظ: 1/299.
(3) موارد الظمآن: 3/276.
(4) عدة الصابرين: 355.
قال يحيى بن معاذ: يا ابن آدم.. طلبت الدنيا طلب من لا بد له منها، وطلبت الآخرة طلب من لا حاجة له إليها، والدنيا قد كفيتها وإن لم تطلبها، والآخرة بالطلب منك تنالها .. فاعقل شأنك.
أخي الحبيب:
من العجب كل العجب أن العبد يصدق بدار الخلود، وهو يسعى لدار الغرور، فمن أحبه الله حماه عن الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه عن الماء، وقد ورد في الحديث مرفوعًا: «إن الله لم يخلق خلقًا أبغض إليه من الدنيا، وإنه منذ خلقها لم ينظر إليها».
وقيل لعلي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين صف لنا الدنيا؟
قال: وما أصف لكم من دار: من صح فيها أمن، ومن سقم فيها ندم، ومن افتقر فيها حزن، ومن استغنى فيها فتن، في حلالها الحساب، وفي حرامها النار.
وقد وصف الدنيا يونس بن عبيد فقال: ما شبهت الدنيا إلا كرجل نائم، فرأى في منامه ما يكره وما يحب، فبينما هو كذلك إذ انتبه (1) .
وكان شميط بن عجلان يقول: إنسانان معذبان في الدنيا: غني أعطي دنيا فهو بها مشغول، وفقير زويت عنه فهو يتبعها نفسه، فنفسه تقطع عليها حسرات (2) .
وحين ذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب قال: الدنيا دار صدق لمن صادقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها (3) .
وكثير يذم الدنيا وأنها السبب في الطغيان والبعد عن الطاعة.. وما علم أنها دار للاستزادة .. بها الطريق إلى الجنة يبنى.. وبها التزود من الدرجات العلا.. ولكن:
يعيب الناس كلهم الزمان ... وما لزماننا عيب سوانا
نعيب زماننا والعيب فينا ... فلو نطق الزمان به رمانا (4)
__________
(1) عدة الصابرين: 355.
(2) صفة الصفوة: 3/347.
(3) أدب الدنيا والدين: 134.
(4) الزهد للبيهقي: 157.
قال الأوزاعي يعظ الناس: تقووا بهذه النعم التي أصبحتم فيها على الهرب من نار الله الموقدة؛ التي تطلع على الأفئدة، فإنكم في دار الثواء (الإقامة) فيها قليل، وأنتم فيها مؤجلون، خلائف بعد القرون الذين استقبلوا من الدنيا آنقها وزهرتها، فهم كانوا أطول منكم أعمارًا وأمد أجساما، وأعظم آثارًا، فجرودا الجبال، وجابوا الصخور، ونقبوا في البلاد مؤثرين ببطش شديد: وأجساد كالعماد، فما لبثت الأيام والليالي أن طويت مدتهم، وعفت آثارهم، وأخوت منازلهم، وأنست ذكراهم، فما تحس منهم من أحد أو تسمع له ركزًا (1) . كانوا بلهو الأمل آمنين، لبيان قوم غافلين ولصباح قوم نادمين (2) .
أخي الحبيب:
لا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا ولا يستقيم الزهد في الدنيا إلا بعد نظرين صحيحين:
النظر الأول:
النظر في الدنيا وسرعة: زوالها، وفنائها، واضمحلالها، ونقصها، وخستها، وألم المزاحمة عليها والحرص عليها، وما في ذلك من الغصص والنغص والأنكاد، وآخر ذلك الزوال والانقطاع مع ما يعقب من الحسرة والأسف، فطالبها لا ينفك من هم قبل حصولها، وهم في حال الظفر بها، وغم وحزن بعد فواتها.
النظر الثاني:
النظر في الآخرة وإقبالها ومجيئها ولا بد، ودوامها وبقائها، وشرف ما فيها من الخيرات والمسرات، والتفاوت الذي بينه وبين ما ههنا، فهي كما قال سبحانه: { وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } فهي خيرات كاملة دائمة (3) .
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
إلا نعيم الجنة؛ جعلنا الله من أهله وممن يتفيأ ظلالها عن اليمين وعن الشمال.
أخي المسلم:
__________
(1) الركز: الصوت الخفي.
(2) الشكر: 15.
(3) الفوائد: 123.
الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012
الأحد، 2 ديسمبر 2012
نعيم الجنة
نعيم الجنة
دار القاسم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة:
قال الله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:45-48].
وقال تعالى: يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ [الزخرف:68-73].
وقال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الدخان:51-57].
وقال تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ [المطففين:22-28] والآيات في الباب كثيرة معلومة.
!-->
-->
وعن جابر قال: قال رسول الله : { يأكل أهل الجنة فيها، ويشربون، ولا يتغوطون، ولا يمخطون، ولا يبولون، ولكن طعامهم ذلك جُشاء كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتكبير، كما يُلهمون النفس } [رواه مسلم].دار القاسم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة:
قال الله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:45-48].
وقال تعالى: يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ [الزخرف:68-73].
وقال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الدخان:51-57].
وقال تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ [المطففين:22-28] والآيات في الباب كثيرة معلومة.
!-->
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا إن شئتم: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17] } [متفق عليه].
وعنه قال رسول الله : { أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دُري في السماء إضاءة: لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة - عود الطيب - أزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء } [متفق عليه].
وفي رواية البخاري ومسلم: { آنيتهم فيها الذهب، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان يُرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم، ولا تباغض: قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بُكرة وعشياً }.
قوله: { على خلق رجل واحد } رواه بعضهم بفتح الخاء وإسكان اللام، وبعضهم بضمهما، وكلاهما صحيح.
وعن المغيرة بن شعبة عن رسول الله قال: { سأل موسى ربه، ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة، فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فيُقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلِك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب، فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله، فيقول في الخامسة: رضيت رب، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذّت عينك. فيقول: رضيت رب، قال: رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر } [رواه مسلم].
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : { إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة. رجل يخرج من النار حبواً، فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع، فيقول يارب وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: رب وجدتها ملأى! فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة. فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر بي، أو أتضحك بي وأنت الملك }، قال: فلقد رأيت رسول الله ضحك حتى بدت نواجذه فكان يقول: { ذلك أدنى أهل الجنة منزلة } [متفق عليه].
وعن أبي موسى أن النبي قال: { إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً. للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً } [متفق عليه]. (الميل): ستة آلاف ذراع.
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: { إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة سنة ما يقطعها } [متفق عليه].
وروياه في [الصحيحن] أيضاً من رواية أبي هريرة قال: { يسير الراكب في ظلها مائة سنة ما يقطعها }.
وعنه عن النبي قال: { إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف فوقهم كما تتراءون الكوكب الدُّري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم } قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: { بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين } [متفق عليه].
وعن أنس أن رسول الله قال: { إن في الجنة سوقاً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحْثوا في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم، وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم حسناً وجمالاً! فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً! } [رواه مسلم].
وعن سهل بن سعد أن رسول الله قال: { إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تتراءون الكوكب في السماء } [متفق عليه].
وعنه قال: شهدت من النبي مجلساً وصف فيه الجنة حتى انتهى، ثم قال في آخر حديثه: { فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم قرأ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17،16] } [رواه البخاري].
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله قال: { إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي مناد: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبداً } [رواه مسلم].
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: { إن أدنى مقعد أحدكم من الجنة أن يقول له: تمن فيتمنى ويتمنى، فيقول له: هل تمنيت؟ فيقول: نعم، فيقول له: فإن لك ما تمنيت ومثله معه } [رواه مسلم].
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: { إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ومالنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك! فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحِل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً } [متفق عليه].
وعن جرير بن عبدالله قال: كنا عند رسول الله فنظر إلى القمر ليلة البدر، وقال: { إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته } [متفق عليه].
وعن صهيب أن رسول الله قال: { إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم } [رواه مسلم].
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس:10،9].
الحمدلله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله: اللهم صل على نبينا محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
========================================================
أخي تذكر ساعة الإحتضار
دار ابن خزيمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
تذكر أخي الكريم: أن الدنيا أيام معدودة، مستعارة مردودة، وأنك فيها في ابتلاء وأنها لك دار علم، وأنه لا مفر لك من نهاية الأجل، وأن القبر فتنة وحساب فإما نعيم وإما عذاب، وأن المرء يموت على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه. ففريق في الجنة وفريق السعير.
فهل أعددت للموت عده؟ وهل فكرت يوماً في وحشة القبور؟ وهل تأملت في أهوال الحشر والنشور؟
أعد على فكرك أسلاف الأمم *** وقف على ما في القبور من رمم
ونادهم أين القوي منكم *** والقاهر أم أين الضعيف المهتضم
تفاضلت أوصافهم فوق الثرى *** ثم تساوت تحته كل قدم
أولاً: لحظات المحتضرين:
ولا بأس أخي الكريم، أن أذكر لك بعض لطائف المحتضرين، ممن فتح الله عليهم لحظة الموت بالثبات واليقين وختم لهم بصالح الأعمال جزاء على ما قدموا في حياتهم من الطاعات والقربات.
فقد حكى القرطبي في كتابه التذكرة: عن شيخ شيخه أحمد بن محمد القرطبي أنه احتضر فقيل له: قل لا إله إلا الله، فكان يقول: لا. فلما أفاق ذكرنا له ذلك، فقال: أتاني شيطان عن يميني وعن يساري. يقول أحدهما: مت يهودياً فإنه خير الأديان. والآخر يقول: مت نصرانياً فإنه خير الأديان. فكنت أقول لهم: لا. لا. أنى تقولان هذا!! فكان الجواب لهما لا لكم.
فتذكر أخي الكريم عسر هذه اللحظات، وتذكر ما يحصل فيها من البلاء والفتن، فوالله إنها لأحرى بالتذكر والتأمل، والاستعداد والتشمير عن ساعد الجد بالانتهاء عما حرّم الله، وفعل ما افترضه وأوجبه، والإكثار من الخيرات وما ينفع في الدار الآخرة. فإن ذلك من أعظم ما يسهل على المرء سكرة الموت، ويجعله ثابتاً موقناً في دينه ساعة الاحتضار.
فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يحتضر ويقرأ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ [القمر:55،54].
وهذا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، عند موته يقول: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصّرت، ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه فأحدّ النظر. فقالوا له: إنك لتنظر نظراً شديداً يا أمير المؤمنين. قال: إني أرى حضرة ما هم بإنس ولا جن ثم قبض رحمه الله وسمعوا تالياً يتلو: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].
أخي:
فكن بالله ذا ثقة وحاذر *** هجوم الموت قبل أن تراه
وبادر بالمتاب وأنت حي *** لعلك أن تنال به رضاه
ثانياً: كيف نستعد للموت؟
أخي المسلم: أما وقد عرفت أن لحظة الاحتضار، لحظة امتحان، وأن الموت حتم لازم، ليس منه بد ولا منه مفر، فكن لتلك اللحظات على استعداد، وتزود بالتقوى ليوم المعاد، واعلم أنك تموت على ما حييت عليه، وأنك تبعث على ما مت عليه. فكيف نستعد للموت؟!
1 - اجتناب المنهيات:
فاجتنب أخي الكريم ما نهاك الله عنه، وجاهد نفسك بالابتعاد عن الشهوات والشبهات واعلم أن الله جل وعلا يغار على محارمه. فعن أبي هريرة أن النبي قال: { إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه }. وقد أوعد الله جل وعلا من تعدى حدوده وانتهك حرماته بالفتنة والعذاب. فقال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
واعلم حفظك الله، أن جملة ما نهى الله جل وعلا عنه يتلخص في ثلاثة أمور:
الأول: الشرك. الثاني: الظلم. الثالث: الفواحش.
قال تعالى في وصف المؤمنين: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ [الفرقان:68].
فعامة مع نهى الله جل وعلا ينضوي تحت هذه الثلاثة. فمن وفق لاجتنابها فقد استعد للموت حق الاستعداد، وكان اجتنابه نجاة له يوم المعاد.
فقد حرم الله جل وعلا عنه الشرك وجعله موجباً للخلود في النار فقال: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء:48] وحرّم الظلم فقال: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ [الحج:71].
وعن جابر أن الرسول قال: { اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم } [رواه مسلم:2578].
وحرّم الله الفواحش فقال: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ [النجم:32]. فهذه الثلاثة هي أصول المنهيات كلها، فمن حقق اجتنابها فقد اجتنب عامة ما نهى الله عنه. من الغيبة والنميمة والكذب وعقوق الوالدين وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والغش والخداع والمكر والغدر والخيانة وأكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك مما يعد إنتهاكاً لحرمات الله وحدوده.
2- أداء الفرائض والواجبات:
ولا تتجلى حقيقة إسلام العبد إلا بأداء ما افترضه الله عليه، ومن ذلك الصلاة والزكاة والصيام والحج لمن استطاع إليه سبيلاً، فهذه هي ثوابت الإسلام وأركانه. فعن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله يقول: { بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان }.
فمن حافظ على هذه الفرائض وأداها على الوجه الذي يليق كما بين رسول الله فقد جمع خصال الخير والفضل، وكان له ذلك أكبر عون على سكرات الموت ووحشة القبر وأثابه الله على ذلك أجراً عظيماً.
فعن أبي هريرة أن أعرابياً أتى النبي فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته، دخلت الجنة، قال: { تعبد الله ولاتشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان }، قال: والذي نفسي بيده، لا أزيدعلى هذا فلمّا ولّى، قال النبي : { من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا }.
3 - تذكر الموت ومحاسبة النفس:
أخي الكريم: ومما يعلي الهمة، ويدفع النفس إلى الاستعداد للموت، ودوام ذكره ومذاكرته، وتوقع حصوله في كل لحظة وحين، ومحاسبة النفس على الأقوال والأفعال والخواطر.
قال سفيان: ( من أكثر من ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة، ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار ).
وقال حاتم الأصم: ( من مرّ بالمقابر فلم يتفكر لنفسه ولم يدع لهم فقد خان نفسه وخانهم ). ولذلك فقد رغب رسول الله في زيارة القبور لما لها من أثر بليغ على النفوس. فعن علي عن لنبي قال: { كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة }.
وروي عن داود الطائي أنه مرّ على إمرأة تبكي على قبر وهي تقول:
عدمت الحياة ولا نلتها *** إذا كنت في القبر قد لحدوكا
فكيف أذوق طعم الكرى *** وأنت بيمناك قد وسدوكا
ثم قالت: يا ابناه ليت شعري بأي خديك بدأ الدود؟ فصعق داود مكانه وخرّ مغشياً عليه.
فأكثر أخي الكريم، من ذكر هادم اللذات، واعلم أنه آت لا محالة، واستعد للحساب وامتحان القبر.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزن فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ).
ولذا ينبغي للعبد أن يحاسب نفسه كل وقت وحين على أداء الفرائض، واجتناب النواهي وأين قضى يومه، ومن أين اكتسب ماله، وفيم أنفقه، وماذا بطش بيده وأين سارت رجله، وماذا رأت عيناه وماذا سمعت أذنه؟
فمتى كان العبد شديد المحاسبة لنفسه، مداوماً على التوبة والاستغفار مما يجده من التقصير والتفريط في جنب الله، كان أقرب إلى الثبات عند الموت، وأبعد عن الفتنة وشدة البلاء.
4 - الإكثار من الطاعات والقربات:
ومن ذلك الحرص على النوافل والأذكار، وأعمال الخير وبذل المعروف، والتخلق بالخلق الحسن مع الناس، فإنه ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من الخلق الحسن.
قال رسول الله : { كل معروف صدقة }.
وقال : { ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشام منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا الله ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة }.
وعن عبدالرحمن بن عبدالله بن سابط قال: لما حضر أبا بكر الصديق الموت دعا عمر فقال له: ( اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى فرضيته، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة بإتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً ).
فاغنم العمر وبادر *** بالتقى قبل الممات
وأنب وارجع وأقلع *** من عظيم السيئات
واطلب والغفران ممن *** ترتعب منه الهبات
ثم نادي في الدياجي *** يا مجيب الدعوات
اعف عنا يا رحيماً *** وأقلنا العثرات
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحجب العشرة بين العبد وبين الله
الحجب العشرة بين العبد وبين الله
ابن القيم الجوزية
دار القاسم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد فهذه الحجب العشرة بين العبد وربه:
1- الحجاب الأول: الجهل بالله:
ألّا تعرفه.. فمن عرف الله أحبه.. وما عرفه من لم يحبه.. وما أحب قط من لم يعرفه.. لذلك كان أهل السنة فعلا طلبة العلم حقا هو أولياء الله الذين يحبهم ويحبونه.. لأنك كلما عرفت الله أكثر أحببته أكثر..
قال شعيب خطيب الأنبياء لقومه: واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود [هود:90].
وقال ربك جلّ جلاله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا [مريم:96].
إن أغلظ الحجب هو الجهل بالله وإلا تعرفه.. فالمرء عدو ما يجهل..
إن الذين لا يعرفون الله يعصونه.
من لا يعرفون الله يكرهونه.
من لا يعرفون الله يعبدون الشيطان من دونه.
ولذلك كان نداء الله بالعلم أولاً: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات [محمد:19].
فالدواء أن تعرف الله حق المعرفة.. فإذا عرفته معرفة حقيقية فعند ذلك تعيش حقيقة التوبة.
2- الحجاب الثاني: البدعة:
فمن ابتدع حجب عن الله ببدعته.. فتكون بدعته حجابا بينه وبين الله حتى يتخلص منها.. قال : { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } [متفق عليه].
والعمل الصالح له شرطان:
الإخلاص: أن يكون لوجه الله وحده لا شريك له. والمتابعة: أن يكون على سنة النبي .
ودون هذين الشرطين لا يسمى صالحاً.. فلا يصعد إلى الله.. لأنه إنما يصعد إليه العمل الطيب الصالح.. فتكون البدعة حجاباً تمنع وصول العمل إلى الله.. وبالتالي تمنع وصول العبد.. فتكون حجاباً بين العبد وبين الرب.. لأن المبتدع إنما عبد على هواه.. لا على مراد مولاه.. فهوا حجاب بينه وبين الله.. من خلال ما ابتدع مما لم يشرّع الله.. فالعامل للصالحات يمهد لنفسه.. أما المبتدع فإنه شرّ من العاصي.
3- الحجاب الثالث: الكبائر الباطنة:
وهي كثيرة كالخيلاء.. والفخر.. والكبر.. والغرور.. هذه الكبائر الباطنة أكبر من الكبائر الظاهرة.. أعظم من الزنا وشرب الخمر والسرقة.. هذه الكبائر الباطنة إذا وقعت في القلب.. كانت حجاباً بين قلب العبد وبين الرب.
ذلك أن الطريق إلى الله إنما تقطع بالقلوب.. ولا تقطع بالأقدام.. والمعاصي القلبة قطاع الطريق.
يقول ابن القيّم: ( وقد تستولي النفس على العمل الصالح.. فتصيره جنداً لها.. فتصول به وتطغى.. فترى العبد: أطوع ما يكون.. أزهد ما يكون.. وهو عن الله أبعد ما يكون.. ) فتأمل..!!
4- الحجاب الرابع: حجاب أهل الكبائر الظاهرة:
كالسرقة.. وشرب الخمر.. وسائر الكبائر..
إخوتاه.. يجب أن نفقه في هذا المقام.. أنه لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.. والإصرار هو الثبات على المخالفة.. والعزم على المعاودة.. وقد تكون هناك معصية صغيرة فتكبر بعدة أشياء وهي ستة:
(1) بالإصرار والمواظبة:
مثاله: رجل ينظر إلى النساء.. والعين تزني وزناها النظر.. لكن زنا النظر أصغر من زنا الفرج.. ولكن مع الإصرار والمواظبة.. تصبح كبيرة.. إنه مصر على ألا يغض بصره.. وأن يواظب على إطلاق بصره في المحرمات.. فلا صغيرة مع الإصرار..
(2) استصغار الذنب:
مثاله: تقول لأحد المدخنين: اتق الله.. التدخين حرام.. ولقد كبر سنك.. يعني قد صارت فيك عدة آفات: أولها: أنه قد دب الشيب في رأسك. ثانياً: أنك ذو لحية. ثالثاً: أنك فقير.
فهذه كلها يجب أن تردعك عن التدخين.. فقال: هذه معصية صغيرة.
(3) السرور بالذنب:
فتجد الواحد منهم يقع في المعصية.. ويسعد بذلك.. أو يتظاهر بالسعادة.. وهذا السرور بالذنب أكبر من الذنب.. فتراه فرحاً بسوء صنيعه.. كيف سب هذا؟؟.. وسفك دم هذا؟.. مع أن { سباب المسلم فسوق وقتاله كفر }.
أو أن يفرح بغواية فتاة شريفة.. وكيف استطاع أن يشهر بها.. مع أن الله يقول: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم [النور:19].
انتبه.. سرورك بالذنب أعظم من الذنب.
(4) أن يتهاون بستر الله عليه:
قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: ( يا صاحب الذنب لا تأمن سوء عاقبته.. ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته.. قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال ـ وأنت على الذنب ـ أعظم من الذنب.. وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب.. وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب.. وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك ـ وأنت على الذنب ـ ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب ).
(5) المجاهرة:
أن يبيت الرجل يعصي.. والله يستره.. فيحدث بالذنب.. فيهتك ستر الله عليه.. يجيء في اليوم التالي ليحدث بما عصى وما عمل!!.. فالله ستره.. وهو يهتك ستر الله عليه.
قال : { كل أمتي معافى إلا المجاهرون.. وإن المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه }.
(6) أن يكون رأساً يقتدى به:
فهذا مدير مصنع.. أو مدير مدرسة أو كلية.. أو شخصية مشهورة.. ثم يبدأ في التدخين.. فيبدأ باقي المجموعة في التدخين مثله.. ثم بعدها يبدأ في تدخين المخدرات.. فيبدأ الآخرون يحذون حذوه.
هكذا فتاة قد تبدأ لبس البنطلون الضيق يتحول بعدها الموضوع إلى اتجاه عام.
وهكذا يكون الحال إذا كنت ممن يُقتدى بك.. فينطبق عليك الحديث القائل: { من سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء } [مسلم].
5- الحجاب الخامس: حجاب أهل الصغائر:
إن الصغائر تعظم.. وكم من صغيرة أدت بصاحبها إلى سوء الخاتمة.. والعياذ بالله.
فالمؤمن هو المعظم لجنايته يرى ذنبه ـ مهما صغر ـ كبيراً لأنه يراقب الله.. كما أنه لا يحقرن من المعروف شيئاً لأنه يرى فيه منّه وفضله.. فيظل بين هاتين المنزلتين حتى ينخلع من قلبه استصغار الذنب واحتقار الطاعة.. فيقبل على ربّه الغفور الرحيم التواب المنان المنعم فيتوب إليه فينقشع عنه هذا الحجاب.
6- الحجاب السادس: حجاب الشرك:
وهذا من أعظم الحجب وأغلظها إكثفا.. وقطعه وإزالته بتجريد التوحيد.. وإنما المعنى الأصلي الحقيقي للشرك هو تعلق القلب بغير الله تعالى.. سوء في العبادة.. أو في المحبة.. سواء في المعاني القلبية.. أو في الأعمال الظاهرة. والشرك بغيض إلى الله تعالى فليس ثمة شيء أبغض إلى الله تعالى من الشرك والمشركين.
والشرك أنواع.. ومن أخطر أنواع الشرك: الشرك الخفي وذلك لخفائه وخطورته حتى يقول الله عن صاحبه: ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون * ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين * انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون [الأنعام:22-24].
فجاهد أخي في تجريد التوحيد.. سل الله العافية من الشرك.. واستعذ بالله من { اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه وأستغفرك لما لا أعلمه }.
هنا يزول الحجاب.. مع الاستعاذة.. والإخلاص.. وصدق اللجأ الى الله.
7- الحجاب السابع: حجاب أهل الفضلات والتوسع في المباحات:
قد يكون حجاب أحدنا بينه وبين الله بطنه.. فإن الأكل حلال.. والشرب حلال.. لكن النبي قال: { وما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن } [الترمذي] فإن المعدة إذا امتلأت.. نامت الفكرة.. وقعدت الجوارح عن الخدمة.. إن الحجاب قد يكون بين العبد وبين الله ملابسه.. قد يعشق المظاهر.. وقد قال : { تعس عبد الدرهم وعبد الخميصة } [البخاري]. فسماه عبداً لهذا فهي حجاب بينه وبين ربه.. تقول له: قصّر ثوبك قليلاً.. حيث قال الرسول : { ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار } [البخاري]. يقول: أنا أخجل من لبس القميص القصير.. ولماذا أصنع ذلك؟ هل تراني لا أجد قوت يومي؟!
فالمقصود أن هذه الأعراف.. والعادات.. والفضلات.. والمباحات.. قد تكون حجاباً بين العبد وبين ربه.. وقد تكون كثرة النوم حجاباً بين العبد وبين الله.. قد يكون الزواج وتعلق القلب به حجاب بين العبد وبين الله.. وهكذا الاهتمام بالمباحات.. والمبالغة في ذلك.. وشغل القلب الدائم بها.. قد يكون حجاباً غليظاً يقطعه عن الله.
نسأل الله عز وجل ألا يجعل بيننا وبينه حجاباً..
8- الحجاب الثامن: حجاب أهل الغفلة عن الله:
والغفلة تستحكم في القلب حين يفارق محبوبه جل وعلا.. فيتبع المرء هواه.. ويوالي الشيطان.. وينسى الله.. قال تعالى: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا [الكهف:28].. ولا ينكشف حجاب الغفلة عنه إلا بالانزعاج الناشئ عن انبعاث ثلاثة أنوار في القلب..
1) نور ملاحظة نعمة الله تعالى في السر والعلن.. حتى يغمر القلب محبته جلّ جلاله. فإن القلوب فطرت على حب من أحسن إليها.
2) نور مطالعة جناية النفس.. حتى يوقن بحقارتها.. وتسببها في هلاكه.. فيعرف نفسه بالازدراء والنقص.. ويعرف ربه بصفات الجمال والكمال.. فيبذل لله.. ويحمل على نفسه في عبادة الله.. لشكره وطلب رضاه.
3) نور الانتباه لمعرفة الزيادة والنقصان من الأيام.. فيدرك أن عمره رأس ماله. فيشمّر عن ساعد الجدّ حتى يتدارك ما فاته في يقسة عمره.
فيظل ملاحظا لذلك كله.. فينزعج القلب.. ويورثه ذلك يقظة تصيح بقلبه الراقد الوسنان.. فيهب لطاعة الله.. سبحانه وتعالى.. فينكشف هذا الحجاب.. ويدخل نور الله قلب العبد.. فيستضيء.
9- الحجاب التاسع: حجاب اهل العادات والتقاليد والأعراف:
إن هناك أناسا عبيد للعبادة.. تقول له: لم تدخن؟!!.. يقول لك: عادة سيئة.. أنا لا أستمتع بالسيجارة.. ولا ضرورة عندي إليها.. وإنما عندما أغضب فإني أشعل السيجارة.. وبعد قليل أجد أني قد استرحت.
ولما صار عبد السيجارة.. فصارت حجابا بينه وبين الله.. ولذلك أول سبيل للوصول الى الله خلع العادات.. ألا تصير لك عادة.. فالإنسان عدو عادته فلكي تصل الى الله، فلا بد أن تصير حرا من العبودية لغير الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" ولا تصح عبوديته ما دام لغير الله فيه بقية".. فلا بد أن تصير خالصا لله حتى يقبلك.
10- الحجاب العاشر: حجاب المجتهدين المنصرفين عن السير الى المقصود:
هذا حجاب الملتزمين.. أن يرى المرء عمله.. فيكون عمله حجابا بينه وبين الله.. فمن الواجب ألا يرى عمله.. وإنما يسير بين مطلعة المنّة.. ومشاهدة عيب النفس والعمل.. يطاع منّة الله وفضله عليه أن وفقه وأعانه.. ويبحث في عمله.. وكيف أنه لم يؤده على الوجه المطلوب.. بل شابه من الآفات ما يمنع قبوله عند الله.. فيجتهد في السير.. وإلا تعلق القلب بالعمل.. ورضاه عنه.. وانشغاله به عن المعبود.. حجاب.. فإن رضا العيد بطاعته.. دليل على حسن ظنه بنفسه.. وجهله بحقيقة العبودية.. وعدم علمه بما يستحقه الرب جلّ جلاله.. ويليق أن يعمل به.. وحاصل ذلك أن جهله بنفسه وصفاتها وآفاتها.. وعيوب عمله.. وجهله بربه وحقوقه.. وما ينبغي أن يعامل به.. يتولد منها رضاه بطاعته.. وإحسان ظنه بها.. ويتولد من ذلك من العجب والكبر والآفات.. ما هو أكبر من الكبائر الظاهرة.. فالرضا بالطاعة من رعونات النفس وحماقتها..
ولله درّ من قال: متى رضيت نفسك وعملك لله فاعلم أنه غير راض به.. ومن عرف أن نفسه مأوى كل عيب وشر.. وعمله عرضة لكل آفة ونقص.. كيف يرضى الله نفسه وعمله؟!
وكلما عظم الله في قلبك.. صغرت نفسك عندك.. وتضاءلت القيمة التي تبذلها في تحصيل رضاه.. وكلما شهدت حقيقة الربوبية. وحقيقة العبودية.. وعرفت الله.. وعرفت النفس.. تبين لك أن ما معك من البضاعة.. لا يصلح للملك الحق.. ولو جئت بعمل الثقلين خشيت عاقبته.. وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله.. ويثيبك عليه بكرمه وجوده وتفضله.
فحينها تتبرأ من الحول والقوة.. وتفهم أن لا حول ولا قوة إلا بالله.. فينقشع هذا الحجاب.
هذه هي الحجب العشرة بين العبد وبين الله.. كل حجاب منها أكبر وأشد كثافة من الذي قبله. أرأيت يا عبدالله كم حجاب يفصلك اليوم عن ربك سبحانه وتعالى؟!.. قل لي بربك: كيف يمكنك الخلاص منها؟!
فاصدق الله.. واصدق في اللجأ إليه.. لكي يزيل الحجب بينك وبينه.. فإنه لا ينسف هذه الحجب إلا الله.. يقول ابن القيّم: ( فهذه عشرة حجب بين القلب وبين الله سبحانه وتعالى.. تحول بينه وبين السير إلى الله.. وهذه الحجب تنشأ عن أربعة عناصر.. أربعة مسميات هي: النفس.. الشيطان.. الدنيا.. الهوى.. ).
فلا يمكن كشف هذه الحجب مع بقاء أصولها وعناصرها في القلب البتة.. لا بد من نزع تلك الأربعة لكي تنزع الحجب التي بينك وبين الله.
نسأل الله أن يوفقنا للإخلاص في القول والعمل وأن يتقبل أعمالنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ابن القيم الجوزية
دار القاسم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد فهذه الحجب العشرة بين العبد وربه:
1- الحجاب الأول: الجهل بالله:
ألّا تعرفه.. فمن عرف الله أحبه.. وما عرفه من لم يحبه.. وما أحب قط من لم يعرفه.. لذلك كان أهل السنة فعلا طلبة العلم حقا هو أولياء الله الذين يحبهم ويحبونه.. لأنك كلما عرفت الله أكثر أحببته أكثر..
قال شعيب خطيب الأنبياء لقومه: واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود [هود:90].
وقال ربك جلّ جلاله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا [مريم:96].
إن أغلظ الحجب هو الجهل بالله وإلا تعرفه.. فالمرء عدو ما يجهل..
إن الذين لا يعرفون الله يعصونه.
من لا يعرفون الله يكرهونه.
من لا يعرفون الله يعبدون الشيطان من دونه.
ولذلك كان نداء الله بالعلم أولاً: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات [محمد:19].
فالدواء أن تعرف الله حق المعرفة.. فإذا عرفته معرفة حقيقية فعند ذلك تعيش حقيقة التوبة.
2- الحجاب الثاني: البدعة:
فمن ابتدع حجب عن الله ببدعته.. فتكون بدعته حجابا بينه وبين الله حتى يتخلص منها.. قال : { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } [متفق عليه].
والعمل الصالح له شرطان:
الإخلاص: أن يكون لوجه الله وحده لا شريك له. والمتابعة: أن يكون على سنة النبي .
ودون هذين الشرطين لا يسمى صالحاً.. فلا يصعد إلى الله.. لأنه إنما يصعد إليه العمل الطيب الصالح.. فتكون البدعة حجاباً تمنع وصول العمل إلى الله.. وبالتالي تمنع وصول العبد.. فتكون حجاباً بين العبد وبين الرب.. لأن المبتدع إنما عبد على هواه.. لا على مراد مولاه.. فهوا حجاب بينه وبين الله.. من خلال ما ابتدع مما لم يشرّع الله.. فالعامل للصالحات يمهد لنفسه.. أما المبتدع فإنه شرّ من العاصي.
3- الحجاب الثالث: الكبائر الباطنة:
وهي كثيرة كالخيلاء.. والفخر.. والكبر.. والغرور.. هذه الكبائر الباطنة أكبر من الكبائر الظاهرة.. أعظم من الزنا وشرب الخمر والسرقة.. هذه الكبائر الباطنة إذا وقعت في القلب.. كانت حجاباً بين قلب العبد وبين الرب.
ذلك أن الطريق إلى الله إنما تقطع بالقلوب.. ولا تقطع بالأقدام.. والمعاصي القلبة قطاع الطريق.
يقول ابن القيّم: ( وقد تستولي النفس على العمل الصالح.. فتصيره جنداً لها.. فتصول به وتطغى.. فترى العبد: أطوع ما يكون.. أزهد ما يكون.. وهو عن الله أبعد ما يكون.. ) فتأمل..!!
4- الحجاب الرابع: حجاب أهل الكبائر الظاهرة:
كالسرقة.. وشرب الخمر.. وسائر الكبائر..
إخوتاه.. يجب أن نفقه في هذا المقام.. أنه لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.. والإصرار هو الثبات على المخالفة.. والعزم على المعاودة.. وقد تكون هناك معصية صغيرة فتكبر بعدة أشياء وهي ستة:
(1) بالإصرار والمواظبة:
مثاله: رجل ينظر إلى النساء.. والعين تزني وزناها النظر.. لكن زنا النظر أصغر من زنا الفرج.. ولكن مع الإصرار والمواظبة.. تصبح كبيرة.. إنه مصر على ألا يغض بصره.. وأن يواظب على إطلاق بصره في المحرمات.. فلا صغيرة مع الإصرار..
(2) استصغار الذنب:
مثاله: تقول لأحد المدخنين: اتق الله.. التدخين حرام.. ولقد كبر سنك.. يعني قد صارت فيك عدة آفات: أولها: أنه قد دب الشيب في رأسك. ثانياً: أنك ذو لحية. ثالثاً: أنك فقير.
فهذه كلها يجب أن تردعك عن التدخين.. فقال: هذه معصية صغيرة.
(3) السرور بالذنب:
فتجد الواحد منهم يقع في المعصية.. ويسعد بذلك.. أو يتظاهر بالسعادة.. وهذا السرور بالذنب أكبر من الذنب.. فتراه فرحاً بسوء صنيعه.. كيف سب هذا؟؟.. وسفك دم هذا؟.. مع أن { سباب المسلم فسوق وقتاله كفر }.
أو أن يفرح بغواية فتاة شريفة.. وكيف استطاع أن يشهر بها.. مع أن الله يقول: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم [النور:19].
انتبه.. سرورك بالذنب أعظم من الذنب.
(4) أن يتهاون بستر الله عليه:
قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: ( يا صاحب الذنب لا تأمن سوء عاقبته.. ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته.. قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال ـ وأنت على الذنب ـ أعظم من الذنب.. وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب.. وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب.. وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك ـ وأنت على الذنب ـ ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب ).
(5) المجاهرة:
أن يبيت الرجل يعصي.. والله يستره.. فيحدث بالذنب.. فيهتك ستر الله عليه.. يجيء في اليوم التالي ليحدث بما عصى وما عمل!!.. فالله ستره.. وهو يهتك ستر الله عليه.
قال : { كل أمتي معافى إلا المجاهرون.. وإن المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه }.
(6) أن يكون رأساً يقتدى به:
فهذا مدير مصنع.. أو مدير مدرسة أو كلية.. أو شخصية مشهورة.. ثم يبدأ في التدخين.. فيبدأ باقي المجموعة في التدخين مثله.. ثم بعدها يبدأ في تدخين المخدرات.. فيبدأ الآخرون يحذون حذوه.
هكذا فتاة قد تبدأ لبس البنطلون الضيق يتحول بعدها الموضوع إلى اتجاه عام.
وهكذا يكون الحال إذا كنت ممن يُقتدى بك.. فينطبق عليك الحديث القائل: { من سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء } [مسلم].
5- الحجاب الخامس: حجاب أهل الصغائر:
إن الصغائر تعظم.. وكم من صغيرة أدت بصاحبها إلى سوء الخاتمة.. والعياذ بالله.
فالمؤمن هو المعظم لجنايته يرى ذنبه ـ مهما صغر ـ كبيراً لأنه يراقب الله.. كما أنه لا يحقرن من المعروف شيئاً لأنه يرى فيه منّه وفضله.. فيظل بين هاتين المنزلتين حتى ينخلع من قلبه استصغار الذنب واحتقار الطاعة.. فيقبل على ربّه الغفور الرحيم التواب المنان المنعم فيتوب إليه فينقشع عنه هذا الحجاب.
6- الحجاب السادس: حجاب الشرك:
وهذا من أعظم الحجب وأغلظها إكثفا.. وقطعه وإزالته بتجريد التوحيد.. وإنما المعنى الأصلي الحقيقي للشرك هو تعلق القلب بغير الله تعالى.. سوء في العبادة.. أو في المحبة.. سواء في المعاني القلبية.. أو في الأعمال الظاهرة. والشرك بغيض إلى الله تعالى فليس ثمة شيء أبغض إلى الله تعالى من الشرك والمشركين.
والشرك أنواع.. ومن أخطر أنواع الشرك: الشرك الخفي وذلك لخفائه وخطورته حتى يقول الله عن صاحبه: ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون * ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين * انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون [الأنعام:22-24].
فجاهد أخي في تجريد التوحيد.. سل الله العافية من الشرك.. واستعذ بالله من { اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه وأستغفرك لما لا أعلمه }.
هنا يزول الحجاب.. مع الاستعاذة.. والإخلاص.. وصدق اللجأ الى الله.
7- الحجاب السابع: حجاب أهل الفضلات والتوسع في المباحات:
قد يكون حجاب أحدنا بينه وبين الله بطنه.. فإن الأكل حلال.. والشرب حلال.. لكن النبي قال: { وما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن } [الترمذي] فإن المعدة إذا امتلأت.. نامت الفكرة.. وقعدت الجوارح عن الخدمة.. إن الحجاب قد يكون بين العبد وبين الله ملابسه.. قد يعشق المظاهر.. وقد قال : { تعس عبد الدرهم وعبد الخميصة } [البخاري]. فسماه عبداً لهذا فهي حجاب بينه وبين ربه.. تقول له: قصّر ثوبك قليلاً.. حيث قال الرسول : { ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار } [البخاري]. يقول: أنا أخجل من لبس القميص القصير.. ولماذا أصنع ذلك؟ هل تراني لا أجد قوت يومي؟!
فالمقصود أن هذه الأعراف.. والعادات.. والفضلات.. والمباحات.. قد تكون حجاباً بين العبد وبين ربه.. وقد تكون كثرة النوم حجاباً بين العبد وبين الله.. قد يكون الزواج وتعلق القلب به حجاب بين العبد وبين الله.. وهكذا الاهتمام بالمباحات.. والمبالغة في ذلك.. وشغل القلب الدائم بها.. قد يكون حجاباً غليظاً يقطعه عن الله.
نسأل الله عز وجل ألا يجعل بيننا وبينه حجاباً..
8- الحجاب الثامن: حجاب أهل الغفلة عن الله:
والغفلة تستحكم في القلب حين يفارق محبوبه جل وعلا.. فيتبع المرء هواه.. ويوالي الشيطان.. وينسى الله.. قال تعالى: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا [الكهف:28].. ولا ينكشف حجاب الغفلة عنه إلا بالانزعاج الناشئ عن انبعاث ثلاثة أنوار في القلب..
1) نور ملاحظة نعمة الله تعالى في السر والعلن.. حتى يغمر القلب محبته جلّ جلاله. فإن القلوب فطرت على حب من أحسن إليها.
2) نور مطالعة جناية النفس.. حتى يوقن بحقارتها.. وتسببها في هلاكه.. فيعرف نفسه بالازدراء والنقص.. ويعرف ربه بصفات الجمال والكمال.. فيبذل لله.. ويحمل على نفسه في عبادة الله.. لشكره وطلب رضاه.
3) نور الانتباه لمعرفة الزيادة والنقصان من الأيام.. فيدرك أن عمره رأس ماله. فيشمّر عن ساعد الجدّ حتى يتدارك ما فاته في يقسة عمره.
فيظل ملاحظا لذلك كله.. فينزعج القلب.. ويورثه ذلك يقظة تصيح بقلبه الراقد الوسنان.. فيهب لطاعة الله.. سبحانه وتعالى.. فينكشف هذا الحجاب.. ويدخل نور الله قلب العبد.. فيستضيء.
9- الحجاب التاسع: حجاب اهل العادات والتقاليد والأعراف:
إن هناك أناسا عبيد للعبادة.. تقول له: لم تدخن؟!!.. يقول لك: عادة سيئة.. أنا لا أستمتع بالسيجارة.. ولا ضرورة عندي إليها.. وإنما عندما أغضب فإني أشعل السيجارة.. وبعد قليل أجد أني قد استرحت.
ولما صار عبد السيجارة.. فصارت حجابا بينه وبين الله.. ولذلك أول سبيل للوصول الى الله خلع العادات.. ألا تصير لك عادة.. فالإنسان عدو عادته فلكي تصل الى الله، فلا بد أن تصير حرا من العبودية لغير الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" ولا تصح عبوديته ما دام لغير الله فيه بقية".. فلا بد أن تصير خالصا لله حتى يقبلك.
10- الحجاب العاشر: حجاب المجتهدين المنصرفين عن السير الى المقصود:
هذا حجاب الملتزمين.. أن يرى المرء عمله.. فيكون عمله حجابا بينه وبين الله.. فمن الواجب ألا يرى عمله.. وإنما يسير بين مطلعة المنّة.. ومشاهدة عيب النفس والعمل.. يطاع منّة الله وفضله عليه أن وفقه وأعانه.. ويبحث في عمله.. وكيف أنه لم يؤده على الوجه المطلوب.. بل شابه من الآفات ما يمنع قبوله عند الله.. فيجتهد في السير.. وإلا تعلق القلب بالعمل.. ورضاه عنه.. وانشغاله به عن المعبود.. حجاب.. فإن رضا العيد بطاعته.. دليل على حسن ظنه بنفسه.. وجهله بحقيقة العبودية.. وعدم علمه بما يستحقه الرب جلّ جلاله.. ويليق أن يعمل به.. وحاصل ذلك أن جهله بنفسه وصفاتها وآفاتها.. وعيوب عمله.. وجهله بربه وحقوقه.. وما ينبغي أن يعامل به.. يتولد منها رضاه بطاعته.. وإحسان ظنه بها.. ويتولد من ذلك من العجب والكبر والآفات.. ما هو أكبر من الكبائر الظاهرة.. فالرضا بالطاعة من رعونات النفس وحماقتها..
ولله درّ من قال: متى رضيت نفسك وعملك لله فاعلم أنه غير راض به.. ومن عرف أن نفسه مأوى كل عيب وشر.. وعمله عرضة لكل آفة ونقص.. كيف يرضى الله نفسه وعمله؟!
وكلما عظم الله في قلبك.. صغرت نفسك عندك.. وتضاءلت القيمة التي تبذلها في تحصيل رضاه.. وكلما شهدت حقيقة الربوبية. وحقيقة العبودية.. وعرفت الله.. وعرفت النفس.. تبين لك أن ما معك من البضاعة.. لا يصلح للملك الحق.. ولو جئت بعمل الثقلين خشيت عاقبته.. وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله.. ويثيبك عليه بكرمه وجوده وتفضله.
فحينها تتبرأ من الحول والقوة.. وتفهم أن لا حول ولا قوة إلا بالله.. فينقشع هذا الحجاب.
هذه هي الحجب العشرة بين العبد وبين الله.. كل حجاب منها أكبر وأشد كثافة من الذي قبله. أرأيت يا عبدالله كم حجاب يفصلك اليوم عن ربك سبحانه وتعالى؟!.. قل لي بربك: كيف يمكنك الخلاص منها؟!
فاصدق الله.. واصدق في اللجأ إليه.. لكي يزيل الحجب بينك وبينه.. فإنه لا ينسف هذه الحجب إلا الله.. يقول ابن القيّم: ( فهذه عشرة حجب بين القلب وبين الله سبحانه وتعالى.. تحول بينه وبين السير إلى الله.. وهذه الحجب تنشأ عن أربعة عناصر.. أربعة مسميات هي: النفس.. الشيطان.. الدنيا.. الهوى.. ).
فلا يمكن كشف هذه الحجب مع بقاء أصولها وعناصرها في القلب البتة.. لا بد من نزع تلك الأربعة لكي تنزع الحجب التي بينك وبين الله.
نسأل الله أن يوفقنا للإخلاص في القول والعمل وأن يتقبل أعمالنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تيقظ
تيقظ
المصدر/المؤلف: أحمد العثمان
أتى رجل إبراهيم بن أدهم رحمه الله فقال: يا أبا إسحاق! إني مسرف على نفسي، فاعرض عليّ ما يكون لها زاجراً ومستنقذاً!.
فقال إبراهيم: إن قبلت خمس خصال، وقدرت عليها لم تضرك المعصية.
قال: هات يا أبا إسحاق!
قال: أما الأولى: فإذا أردت أن تعصي الله تعالى، فلا تأكل رزقه!.
قال: فمن أين آكل؟! وكل ما في الأرض رزقه؟!
قال: يا هذا! أفيحسن بك أن تأكل من رزقه وتعصيه؟!
قال: لا، هات الثانية!
قال: وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن في شيئاً من بلاده!
قال: هذا أعظم! فأين أسكن؟!
قال: يا هذا! أفيحسن بك أن تأكل رزقه، وتسكن في بلاده، وتعصيه؟
قال: لا، هات الثالثة!
قال: وإذا أردت أن تعصيه، وأنت تأكل من رزقه، وتسكن بلاده، فانظر موضعاً لا يراك فيه فاعصه فيه!
قال: يا إبراهيم! ما هذا؟ وهو يطلع على ما في السرائر؟!
قال: يا هذا! أفيحسن بك أن تأكل رزقه، وتسكن بلاده، وتعصيه وهو يراك ويعلم ما تجاهر به؟!
قال: لا، هات الرابعة!
قال: فإذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك، فقل له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحاً وأعمل لله صالحاً!
قال: لا يقبل مني!
قال: يا هذا! فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاءك لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص؟!
قال: هات الخامسة!
قال: إذا جاءك الزبانية يوم القيامة، ليأخذوك إلى النار، فلا تذهب معهم؟!
قال: إنهم لا يدعوني، ولا يقبلون مني!
قال: فكيف ترجو النجاة إذن؟!
قال: إبراهيم! حسبي، حسبي! أنا أستغفر الله وأتوب إليه.
فكان لتوبته وفياً، فلزم العبادة، واجتنب المعاصي حتى فارق الحياة.
المصدر/المؤلف: أحمد العثمان
أتى رجل إبراهيم بن أدهم رحمه الله فقال: يا أبا إسحاق! إني مسرف على نفسي، فاعرض عليّ ما يكون لها زاجراً ومستنقذاً!.
فقال إبراهيم: إن قبلت خمس خصال، وقدرت عليها لم تضرك المعصية.
قال: هات يا أبا إسحاق!
قال: أما الأولى: فإذا أردت أن تعصي الله تعالى، فلا تأكل رزقه!.
قال: فمن أين آكل؟! وكل ما في الأرض رزقه؟!
قال: يا هذا! أفيحسن بك أن تأكل من رزقه وتعصيه؟!
قال: لا، هات الثانية!
قال: وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن في شيئاً من بلاده!
قال: هذا أعظم! فأين أسكن؟!
قال: يا هذا! أفيحسن بك أن تأكل رزقه، وتسكن في بلاده، وتعصيه؟
قال: لا، هات الثالثة!
قال: وإذا أردت أن تعصيه، وأنت تأكل من رزقه، وتسكن بلاده، فانظر موضعاً لا يراك فيه فاعصه فيه!
قال: يا إبراهيم! ما هذا؟ وهو يطلع على ما في السرائر؟!
قال: يا هذا! أفيحسن بك أن تأكل رزقه، وتسكن بلاده، وتعصيه وهو يراك ويعلم ما تجاهر به؟!
قال: لا، هات الرابعة!
قال: فإذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك، فقل له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحاً وأعمل لله صالحاً!
قال: لا يقبل مني!
قال: يا هذا! فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاءك لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص؟!
قال: هات الخامسة!
قال: إذا جاءك الزبانية يوم القيامة، ليأخذوك إلى النار، فلا تذهب معهم؟!
قال: إنهم لا يدعوني، ولا يقبلون مني!
قال: فكيف ترجو النجاة إذن؟!
قال: إبراهيم! حسبي، حسبي! أنا أستغفر الله وأتوب إليه.
فكان لتوبته وفياً، فلزم العبادة، واجتنب المعاصي حتى فارق الحياة.
من أذكار الصلاة
من أذكار الصلاة
المصدر/المؤلف: ---
أخي المسلم... أختي المسلمة:
تتميز صلاة القيام بطول الركوع والسجود، ولذلك يتساءل بعض الناس، ماا أقول؟ وبم أدعو؟ ولذا فإننا نذكّرك بشيء من الأذكار الواردة في الصلاة (ولم نذكر إلا ما صحّ عن النبي ).
* أدعية الركوع:
- { اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي } [أخرجه مسلم].
ومن السنة الإكثار من تعظيم الله وتمجيده وتسبيحه حال الركوع.
* أدعية الرفع من الركوع:
1- { ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه } [أخرجه البخاري].
2- { ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد. أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد } [أخرجة مسلم].
3- { اللهم لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد. اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ } [أخرجه مسلم].
* أدعية السجود:
1- { اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت. سجد وجهي للذي خلقه وصوّره وشق سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين } [أخرجه مسلم].
2- { اللهم أغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره } [أخرجه مسلم].
3- { اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك } [أخرجه مسلم].
- ومن السنه الإكثار من الدعاء حال السجود.
* أدعية مشتركة بين الركوع والسجود:
1- { سبحانك الله ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي } [أخرجه البخاري ومسلم].
2- { سبوح قدوس رب الملائكة والروح } [أخرجه مسلم].
3- { سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة } [أخرجه أبو داود والنسائي].
* أدعية ما بين السجدتين:
1- { رب اغفر لي، ربي اغفر لي } [أخرجه أبو داود والنسائي].
2- { اللهم اغفر لي والارحمني واجبرني واهدني وارزقني } [أخرجه الترمذي وابن ماجه].
* أدعية ما بعد التشهد الأخير:
1- { اللهم اني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال } [أخرجه البخاري ومسلم].
2- { اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم } [أخرجه البخاري ومسلم].
3- { اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت } [أخرجه مسلم].
* ما يقال بعد الإنتهاء من الوتر:
يقول إذا سلم من الوتر: سبحان الملك القدوس. ثلاث مرات. [أخرجه أبو داود والنسائي].
* ملحوظة:
ربما تركنا بعض ما صحّ عن النبي اكتفاء بشهرته.
المصدر/المؤلف: ---
أخي المسلم... أختي المسلمة:
تتميز صلاة القيام بطول الركوع والسجود، ولذلك يتساءل بعض الناس، ماا أقول؟ وبم أدعو؟ ولذا فإننا نذكّرك بشيء من الأذكار الواردة في الصلاة (ولم نذكر إلا ما صحّ عن النبي ).
* أدعية الركوع:
- { اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي } [أخرجه مسلم].
ومن السنة الإكثار من تعظيم الله وتمجيده وتسبيحه حال الركوع.
* أدعية الرفع من الركوع:
1- { ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه } [أخرجه البخاري].
2- { ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد. أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد } [أخرجة مسلم].
3- { اللهم لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد. اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ } [أخرجه مسلم].
* أدعية السجود:
1- { اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت. سجد وجهي للذي خلقه وصوّره وشق سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين } [أخرجه مسلم].
2- { اللهم أغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره } [أخرجه مسلم].
3- { اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك } [أخرجه مسلم].
- ومن السنه الإكثار من الدعاء حال السجود.
* أدعية مشتركة بين الركوع والسجود:
1- { سبحانك الله ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي } [أخرجه البخاري ومسلم].
2- { سبوح قدوس رب الملائكة والروح } [أخرجه مسلم].
3- { سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة } [أخرجه أبو داود والنسائي].
* أدعية ما بين السجدتين:
1- { رب اغفر لي، ربي اغفر لي } [أخرجه أبو داود والنسائي].
2- { اللهم اغفر لي والارحمني واجبرني واهدني وارزقني } [أخرجه الترمذي وابن ماجه].
* أدعية ما بعد التشهد الأخير:
1- { اللهم اني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال } [أخرجه البخاري ومسلم].
2- { اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم } [أخرجه البخاري ومسلم].
3- { اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت } [أخرجه مسلم].
* ما يقال بعد الإنتهاء من الوتر:
يقول إذا سلم من الوتر: سبحان الملك القدوس. ثلاث مرات. [أخرجه أبو داود والنسائي].
* ملحوظة:
ربما تركنا بعض ما صحّ عن النبي اكتفاء بشهرته.
يا طالب العلم
يا طالب العلم
المصدر/المؤلف: خالد بن عبد العزيز أباالخيل
إن كنت تشكو من البلاهة في العلم فلا تبتأس إذا كان فيك بقية من تُقى!
وإن منحك الله دقة في الفهم وحِذقاً في النظر فلا يستخفك الفرح إذا خلا قلبك من الورع!
قال الذهبي: ( قاتل الله الذكاء بلا علم، ورضي الله عن البلاهة مع التقوى ).
يا طالب العلم:
إذا لم يورثك علمك خشية الله فسيورثك نقيضها: رياءً ونفاقاً!! إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [فاطر:28].
وإن لم يستبن لك الحال فتفقد نفسك في موطن الأمر والنهي! وحينها تقف على الحقيقة!
يا طالب العلم:
إن رمت العلم وحفظته فما بقي عليك إلا العمل ! وإن استأخرت دونه، وقصرت بك همتك عن بلوغه، فيا الله ما أعظم مصيبتك بعلمك ! وما أشد بليتك بنفسك! فتدبَّر أمرك، وحاسب نفسك، وإلا فعد إلى بيتك، وكن ناسكاً في محراب جدتك فهو خيرٌ لك مما أنت فيه!!
يا طالب العلم:
اجعل لك ورداً من سير نجوم الهدى ومصابيح الدجى ! لتقوى في موطن الضعف، وتضعف في موطن الكبر!
واستعن بذلك على إلجام نفسك والمطامنة من كبريائها:
فإذا رأيت من نفسك نبوغاً في علم السنة فاقرأ في ترجمة البخاري! وإن رأيت منها نظراً دقيقاً في الفقه فدونك سيرة الشافعي! وإذا أوحت إليك نفسك ببلوغ القمة في الأصول والمقاصد فدونك الشاطبي!
وإن ظننت يوماً أنك نلت العلوم وحُزت الفنون ! فلا تنس قول الشافعي ـ في أحمد بن حنبل: ( أحمد إمامٌ في ثمان خصال:إمام في الحديث، إمام في الفقه، إمام في اللغة، إمام في القرآن، إمام في الفقر، إمام في الزهد، إمام في الورع، إمام في السنَّة!! ). وإن خادعتك نفسك بأنك معرض عن الدنيا وزاهدٌ فيها فاقرأ في سيرة إبراهيم الحربي! وإن توهمت أنك ممسكٌ بناصية الورع فتأمل حياة أيوب وابن سيرين، والحسن البصري!
يا طالب العلم:
إن كان يخفق قلبك فرحاً عند إبانتك لغامض مسألة، أو كشفك لعويصها، وما يخفق عند سماع النداء للصلاة ! فثق أنه ليس لك حاسد ! وما مثلك مغبوط ! ففتش في خبايا نفسك وستجد مكنون السر فيها!!
يا طالب العلم:
اخفض جناح الذل لإخوانك، وكن رفيقاً بهم، واحذر الجفاء والجلافة !وإياك وغمط الناس ورد الحق! واحترس من داء التعالم والعُجب!! فإنه داء دقيق المسلك، سريع النفوذ ! وأشد ما يكون نفوذاً حال اللجاج والحِجاج!
يا طالب العلم:
كن كثير الرماد، كريم المعشر، باسم الثنايا!
وإذا علِمت ـ يوم الطلب ـ أن من أسباب دخول الجنة إطعام الطعام فما بالك اليوم تضيق ذرعاً بزوارك وطلابك؟! يأتي أحدهم إليك مستفتياً أو مستشيراً فتقف في الباب معترضاً! خشية أن يتسلل إلى بيتك فينعم بظلك، أويشرب من ماءك!
وإن اعتذرت بضيق الوقت والحرص عليه فاعلم أن ما تقضيه في نفع أخيك خيرٌ لك من كثير مما تشتغل به !
يا طالب العلم:
الوقت يمر مرَّ البرق، وصوارف الحق تعرض كل حين، ولا مخرج لك من كل هذا إلا حبل الله المتين، فتشبث به، واشدد يديك عليه، وأعلم أن رأس مال العمل هو الإخلاص، فإن اخطأت طريقه فلا تلم إلا نفسك إن تخطفتك طيور الهوى، أو هوت بك رياح الشهوات في مكان سحيق.
ختاماً يا طالب العلم:
الطريق مخوف، ولسالكه ثمناً يدفعه من ماله وجسده، ودون الغاية صوارف وقواطع، ولكن في آخره جنة مستطابة،وسعادة دائمة، فتوكل على الله، وامض في طريقك، واجعل حداءك: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69].
المصدر/المؤلف: خالد بن عبد العزيز أباالخيل
إن كنت تشكو من البلاهة في العلم فلا تبتأس إذا كان فيك بقية من تُقى!
وإن منحك الله دقة في الفهم وحِذقاً في النظر فلا يستخفك الفرح إذا خلا قلبك من الورع!
قال الذهبي: ( قاتل الله الذكاء بلا علم، ورضي الله عن البلاهة مع التقوى ).
يا طالب العلم:
إذا لم يورثك علمك خشية الله فسيورثك نقيضها: رياءً ونفاقاً!! إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [فاطر:28].
وإن لم يستبن لك الحال فتفقد نفسك في موطن الأمر والنهي! وحينها تقف على الحقيقة!
يا طالب العلم:
إن رمت العلم وحفظته فما بقي عليك إلا العمل ! وإن استأخرت دونه، وقصرت بك همتك عن بلوغه، فيا الله ما أعظم مصيبتك بعلمك ! وما أشد بليتك بنفسك! فتدبَّر أمرك، وحاسب نفسك، وإلا فعد إلى بيتك، وكن ناسكاً في محراب جدتك فهو خيرٌ لك مما أنت فيه!!
يا طالب العلم:
اجعل لك ورداً من سير نجوم الهدى ومصابيح الدجى ! لتقوى في موطن الضعف، وتضعف في موطن الكبر!
واستعن بذلك على إلجام نفسك والمطامنة من كبريائها:
فإذا رأيت من نفسك نبوغاً في علم السنة فاقرأ في ترجمة البخاري! وإن رأيت منها نظراً دقيقاً في الفقه فدونك سيرة الشافعي! وإذا أوحت إليك نفسك ببلوغ القمة في الأصول والمقاصد فدونك الشاطبي!
وإن ظننت يوماً أنك نلت العلوم وحُزت الفنون ! فلا تنس قول الشافعي ـ في أحمد بن حنبل: ( أحمد إمامٌ في ثمان خصال:إمام في الحديث، إمام في الفقه، إمام في اللغة، إمام في القرآن، إمام في الفقر، إمام في الزهد، إمام في الورع، إمام في السنَّة!! ). وإن خادعتك نفسك بأنك معرض عن الدنيا وزاهدٌ فيها فاقرأ في سيرة إبراهيم الحربي! وإن توهمت أنك ممسكٌ بناصية الورع فتأمل حياة أيوب وابن سيرين، والحسن البصري!
يا طالب العلم:
إن كان يخفق قلبك فرحاً عند إبانتك لغامض مسألة، أو كشفك لعويصها، وما يخفق عند سماع النداء للصلاة ! فثق أنه ليس لك حاسد ! وما مثلك مغبوط ! ففتش في خبايا نفسك وستجد مكنون السر فيها!!
يا طالب العلم:
اخفض جناح الذل لإخوانك، وكن رفيقاً بهم، واحذر الجفاء والجلافة !وإياك وغمط الناس ورد الحق! واحترس من داء التعالم والعُجب!! فإنه داء دقيق المسلك، سريع النفوذ ! وأشد ما يكون نفوذاً حال اللجاج والحِجاج!
يا طالب العلم:
كن كثير الرماد، كريم المعشر، باسم الثنايا!
وإذا علِمت ـ يوم الطلب ـ أن من أسباب دخول الجنة إطعام الطعام فما بالك اليوم تضيق ذرعاً بزوارك وطلابك؟! يأتي أحدهم إليك مستفتياً أو مستشيراً فتقف في الباب معترضاً! خشية أن يتسلل إلى بيتك فينعم بظلك، أويشرب من ماءك!
وإن اعتذرت بضيق الوقت والحرص عليه فاعلم أن ما تقضيه في نفع أخيك خيرٌ لك من كثير مما تشتغل به !
يا طالب العلم:
الوقت يمر مرَّ البرق، وصوارف الحق تعرض كل حين، ولا مخرج لك من كل هذا إلا حبل الله المتين، فتشبث به، واشدد يديك عليه، وأعلم أن رأس مال العمل هو الإخلاص، فإن اخطأت طريقه فلا تلم إلا نفسك إن تخطفتك طيور الهوى، أو هوت بك رياح الشهوات في مكان سحيق.
ختاماً يا طالب العلم:
الطريق مخوف، ولسالكه ثمناً يدفعه من ماله وجسده، ودون الغاية صوارف وقواطع، ولكن في آخره جنة مستطابة،وسعادة دائمة، فتوكل على الله، وامض في طريقك، واجعل حداءك: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69].
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)